>> صفحات
خاصة >> رمضان 2011
الفتنة: هي الابتلاء والامتحان.
وقد يسمى الشرك والكفر فتنة كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة: 193] أي: حتى لا يكون شرك ولا كفر.
ويقول تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا
ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا)
[الأحزاب: 14].
ولكن أكثر ما تطلق الفتنة على ما يكون فيه بلاء ومحنة، ينحرف وينخدع بها الكثير من
الخلق، ولا يستطيعون مقاومتها وينحرفون معها، وتلك هي الفتن المضلة التي خشيتها
النبي على أمته، فقد ثبت عنه أنه قال: «إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم
يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من
الدنيا» رواه أبو داود وابن ماجه.
بمعنى أن الرجل إذا جاءته تلك الفتن أو بعضها، انخدع بها وضل وانحرف عن الحق والهدى،
وباع دينه بدنياه، باعه بعرض من الدنيا! هذه الفتن تحققت أو أكثرها في زماننا،
ولأجل ذلك لا يصبر عليها ولا يصابر إلا من ثبته الله ورزقه علمًا وبصيرة.
1- شرب الخمر:
إن شرب الخمر من أعظم الفتن التي وقع فيها كثير من شباب الإسلام في هذا الزمان.
ولم ينته الأمر عند الشرب فقط!! بل تعداه إلى الدعوة إلى هذا المنكر العظيم! لأن من
ابتلي بشرب الخمر يدعو إلى معصيته، لأنه أحبها واستأنس بها فأحب أن يكثر أهلها، وأن
يكثر مناصروه، حتى لا ينكر عليه، وتجده يقول لمن أراد دعوته: لماذا تبخل؟! لماذا لا
ترفِّهْ عن نفسك وتعطي نفسك لذاتها وشهواتها؟! ولا يزال يقول له ذلك حتى يوقع
الجاهل ونحوه فيما وقع فيه، فإذا وقع فيه أحكم عليه شباكه، وصعب عليه التخلص منها،
ويقع في الأمر العظيم وهو شرب هذا الخمر الذي قال الله فيه: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ
الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 90، 91].
2- سماع الأغاني والمعازف:
ومن فتن هذا الزمان والتي انتشرت وعمت وطمت، سماع الأغاني والمعازف و الطرب.
إن مرتادي الملاهي ومحبي سماع الأغاني والطرب ونحو ذلك يحبون أن يكثر أمثالهم، ذلك
أن سامع الأغاني والطرب يعلم أنه متى ما كنا ضده كلنا قمعناه وقهرناه وأذللناه؛
فاندحر وذلك ولم يتمكن من متعة نفسه وإظهار مشتهياته، والإعلان عما يميل إليه.
أما إذا كثر مناصروه، وكثر الذين هم في صفه والذين هم من جنده وأتباعه، فإنه يتمكن
بعد ذلك من إقامة المسارح والمراقص والملاعب، ونحوها ويدعو إلى ذلك، فتسليطه على
هؤلاء الجهلة فتنة وبلية يثبت الله بها أهل العقول ويزيغ بها أهل الجهل والضلال.
3- شرب الدخان:
أما شرب الدخان فإنه من الفتن العظيمة التي لا تكاد يخلو منها بيت اليوم، فقد انتشر
شربه بين الكبير والصغير، والرجال والنساء، وليس الأمر كذلك؛ بل هناك من يدعو إلى
هذا البلاء وهذا المرض، وهذا الخبث!!
لماذا؟!!
لأن الذي ابتلي بشرب الدخان يحب أن يكثر المدخنون، حتى لا ينكر عليه! فدعوته تعتبر
فتنة، فإذا رأى مثلا الجاهل أخذ يجره إلى أن يوقعه في ذلك، فمن الفتنة أن يبتلى
الإنسان بزملاء وقرناء قد وقعوا في هذا الوباء فينخدع بكثرتهم رغم عقولهم وأفهامهم
فيقع فيه تقليدًا لهم, ومن أراد الله به خيرًا حماه وأبعده عن الاقتران بهم وأبعده
عنهم، ومن ابتلي بهم فعليه الحذر من دعاياتهم فإن هذا من عظم الفتنة التي يقع فيها
الخلق الكثير.
4- فتنة النساء:
ومن الفتن العظيمة فتنة النساء، فقد أخبر النبي أنها من أعظم الفتن، لقوله ص: «اتقوا
الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» رواه مسلم، فقد
جعلها فتنة، وأخبر أن بني إسرائيل قد فتنوا بها.
وفي زماننا قد عظمت هذه الفتنة، وكبرت وانتشرت! وذلك لأن الجمع الغفير من هؤلاء
النساء أخذن يتبرجن ويظهرن عاريات في الأسواق متزينات بأنواع الزينة !
فمن أراد الله به فتنة مد نظره، وسرح طرفه إليهن، فلا يأمن أن يفتتن وينخدع وتجتذبه
الشهوات المحرمة وتحمله على الوقوع فيما حرم الله عليه من الزنا! أو مقدماته
فالفتنة بهن فتنة عظيمة.
ومن فتن النساء أيضًا ظهور صورهن التي تعرض في الأفلام وهذه والله مصيبة وفتنة
كبيرة !!
وهكذا ظهور صورهن في الصحف والمجلات وبعض أنواع السلع وهم يختارون أجمل الصور حتى
يفتتن بها الشباب وغيرهم !!
وهذا لا شك أنه من أعظم الفتن والتي تمكنت في هذا الزمان، وإنما يثبت الله الذين
آمنوا بالقول الثابت، فمن أعطى نفسه ما تميل إليه تابع النظر، وتابع اللذات، بذلك
المنظر إلى أن يستكن في قلبه الميل إليهن أو يكاد! ومن حماه الله وعصمه، وأبعده عن
ذلك فهو ممن أراد الله به خيرًا.
5- فتنة المال:
ومن فتن هذا الزمان فتنة المال التي طغت محبته على القلوب، حتى آثره الخلق، وقدموه
على ما هو حق الله تعالى ولم يبالوا بحل وحرمة!!
وهذه أيضًا فتنة عامة، فلها دعاة يدعون إليها، أما دواعيها فهي النفس التي جبلت على
محبة المال. وقد أوقعت الكثير فيما هو محرم؛ فإن كثيرًا من الناس أخذوا يتباهون
بكثرة المال، قال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)
[التكاثر: 1] وقال سبحانه: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ
أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ: 35].
لقد ابتلي أناس كثيرون بهذا المال، ويتساءل الكثير كيف حصل فلان على هذا المال الذي
أصبح به ثريًا، وبنى عمارات، وتملك كذا وكذا داخل البلاد وخارجها، وصار يعطي نفسه
ما تتمناه وتميل إليه؟!
لقد انخدع كثير من الخلق بهذا المال، فحرصوا على جمعه من حله ومن غير حله، فوقعوا
في أكل الأموال الربوية، أو في الغش في المعاملات أو أخذ الرشوة ونحوها، كل هذا
حرصًا على نمو أموالهم، ولو كان ذلك عن طريق السرقة، أو الاختلاس، أو أخذ الأموال
من بيت المال بغير وجوهه!! يريدون بذلك أن تكثر وتنمو أموالهم، حتى يكون لهم مثل ما
كان لفلان !!
فإذا حصلت لهم تلك الأموال الطائلة، عند ذلك ينعمون أنفسهم، ويعطونها شهواتها،
ويلبسون ما يشاؤون سواء من حرمة أو حل! فيطيلون مثلا اللباس، ويتشبهون بلباس الكفار،
ويسافرون إلى الخارج إلى البلاد الأوروبية وغيرها، وينعمون أنظارهم إلى المناظر
القبيحة التي هي غذاء أنفسهم البهيمية!!
وهكذا تعظم المصيبة، وقد أخبر النبي بأن المال فتنة، وبأنه يخشى علينا بسط الدنيا
وما يخرج الله من زهرتها وقد قال تعالى: (إِنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
[التغابن: 15].
فالله تعالى يعطي هذا المال ويكون فتنة لهذا الذي أعطي له، حيث يقع في المحرمات!
ويشترى به ما هو غير جائز! ولا يقتصر على المباح، بل تدعوه نفسه ما دام متمكنًا إلى
أن يعطي لها ما تشتهي ولو حرامًا.
فمتى سافر مثلاً إلى البلاد الخارجية وقع في المحرمات من شرب الخمور، والزنى، وما
أشبه ذلك! وذلك من الفتن العظيمة التي وقعت في هذا الزمان نسأل الله السلامة من
الشرور.
6- فتنة الدعوة إلى الانحراف والضلال:
ومن الفتن العظيمة الدعوة إلى أنواع من الضلال والانحراف.
وهؤلاء الدعاة هم من الكفرة والفجرة، الذين قد جاؤوا إلينا باسم معلمين ومرشدين
ومهندسين ومعماريين! ودكاترة! وعلماء ونحوهم ! فهم أهل معرفة كما يقولون، هؤلاء
غالبًا قد امتلأت قلوبهم حنقًا وحقدًا علينا؛ لأننا متمسكون بالعقيدة السلفية
السليمة، ولأننا متمتعون بالنعمة وكثرة المال والخيرات، ولأننا آمنون ومطمئنون في
بلادنا، لا نخاف إلا الله، فحسدونا وأرادوا أن يوقعونا فيما وقعوا هم فيه، فصاروا
يدعون إلى أعمالهم، ولو أنهم لا يدعون مباشرة بالقول، لكنهم قد يدعون بالفعل، فم
فتنة وأيما فتنة!
فلنكن منهم على حذر، فلا نقدسهم ولا نحترمهم فقد انخدع وافتتن بهم كثير فسكنوا
إليهم، وصاروا يمدحونهم!
فالذين يسافرون إليهم لا يرجعون إلا وقد مقتونا، ومقتوا آباءهم وأسلافهم واحتقروا
عبادتنا، وعظمت في أنفسهم مقادير أولئك الكفرة والفجرة!
وقالوا: ما عندكم إلا عبادات! ما عندكم إلا كتب دين! ما عندكم كذا وكذا، وأولئك
يصنعون ويخترعون!
فسول لهم الشيطان أن أولئك رجال غيرنا، وأن عقولهم أذكى من عقولنا، وأنهم أتم منا
معرفة، وأقوى منا أبدانًا، وأكثر منا حذقًا، وما عرفوا أن أولئك قوم عجلت لهم
طيباتهم في حياتهم الدنيا، وأنهم كما وصفهم الله بمن اشتغلوا للدنيا، وأقبلوا عليها
وتركوا الآخرة! وصدق عليهم قول الله تعالى: (يَعْلَمُونَ
ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
[الروم: 7].
فنقول: لا تنخدع أيها المسلم بأولئك ا لدعاة، سواء كان الداعي يدعو بقوله أو يدعو
بفعله!
فالمعلم مثلا يدعو بقوله ويزين القول بلسانه فتجده حلو الكلام، ولكن يدس فيه السم
الزعاف، فالفتنة بهؤلاء عظيمة، ومن يثبته الله ويرزقه بصيرة يكون من الناجين، و من
ضعفت عقيدته فانخدع، وقلد ذلك المعلم ونحوه، أو اعتقد أن له مَزيِّة، حيث إنه مؤهل
وله مرتبة وله مقام رفيع، وما قدم إلا وله... وله... فيقلده ويصدقه، ويقع فيما دعي
إليه، فيكثر الشر، ويعظم الضرر! فهؤلاء من الفتنة.
كذلك الذين جاؤوا باسم (مهندسين معماريين) أو (مخططين) أو (إعلاميين) ونحو ذلك،
وأخذوا يعملون هذه الأعمال، قد يمدحهم بعض الناس، ويقولون: إنهم يعرفون ما لا نعرف،
فيحسنون الصناعات أو البناء. وبذلك يحبهم ويميل إليهم، ولا يشعر أنهم عباد الدنيا،
ولا يشعر أنهم كفرة عصاة لا يعرفون المساجد، ولا يحضرون الصلوات، ولا يقرؤون كلام
الله!!
والمسلم لا يشعر بذلك كله فيمدحهم ذلك المسكين، وينخدع بهم، ويصفهم بالأمانة والفهم
والقوة، وأنهم الناصحون في الأعمال!
فمن افتتن بهم لا يدري أنهم يقومون بهذه الأعمال، وهم ما قصدوا بذلك إلا أن ينخدع
بهم الخلق الكثير، و أن يعظموهم وإن كانوا لا يحسنون العمل!
نقول لهذا: إن كنت تمدحهم تعلم مثلهم، ولكن تعلم الخير، وأفعله، ولا تتعلم الشر بل
ابتعد عنه، فإنك تعرف أن عقائدهم ونواياهم سيئة، وإن رزقوا ما رزقوا من العلم
والمعرفة الدنيوية التي هي متاع الغرور.
7- فتنة الدعاية غير المباشرة:
ومن الفتن الدعاية غير المباشرة وهي كثيرة يبثها الكفرة والعصاة في إذاعاتهم وصحفهم
وكتبهم ونشراتهم؛ فيتلقاها السذج والجهلة من الناس، فيعتمدونها، ويعتقدون صحتها،
وينخدعون بها، ثم يبثونها في إذاعاتهم ويمدحون معتقداتهم وعباداتهم ويمدحون
منتجاتهم وينشرون ذلك في مؤلفاهم وفي صحفهم، ويصورون ما أنتجوا وما صنعوا!
وكذلك أيضًا قد يمدحون أديانهم، و يذمون ديننا، وينتقصون من عقيدتنا ومن حالاتنا،
ويسخرون منا ونحن لا نشعر!
والكثير يتلقى ذلك، فيسمعه يذاع، ويقرأه في كتبهم وفي صحفهم.
وذلك من الفتنة العظيمة التي قد يتلقاها جاهل ليس معه سلاح، أو أدلة يقاوم بها هذه
الدعايات وهذه الشبهات، فتنصبغ تلك الشبهات في قلبه، ويصعب عليه الخلص منها! فإذا
ما أصابته تلك الشباك وهذه الفتنة العظيمة، وهي فتنة الدعاة والعصاة والمغرضين
والمبتدعين ونحوهم في إذاعاتهم ومطبوعاتهم، إذا ما أصابه تلك الشباك فإنه لا ينجو
منها إلا من يملك إدراكًا واعيًا، ومعرفة كاملة فينتقدها ويبين للناس الأخطاء التي
تضمنتها واشتملت عليها.
(من كتاب: فتن هذا الزمان وكيفية مقاومتها - فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد
الرحمن الجبرين)