أكل الحرام

 

>> صفحات خاصة >> رمضان 2009 >> كيف تقلع عن المعاصي

قال الله عز وجل: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل".
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل والأكل بالباطل على وجهين، أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب والخيانة والسرقة. والثاني على جهة الهزل واللعب كالذي يؤخذ في القمار والملاهي ونحو ذلك، وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"

وفي صحيح مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك "و" عن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه وسلم: يا أنس أطب كسبك تجب دعوتك، فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا يستجاب له دعوة أربعين يوماً"، وروى البيهقي باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ولا يكسب عبد مالاً حراماً فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن"

و"عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا حلوة خضرة من اكتسب فيها مالاً من حله وأنفقه في حقه أثابه الله وأورثه جنته، ومن اكتسب فيها مالاً من غير حله وأنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار الهوان. ورب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة" وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار" و"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لأن يجعل أحدكم في فيه تراباً خير من أن يجعل في فيه حراماً" وقد روي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه، فإن كان مطعم سوء قال: دعوه يتعب و يجتهد فقد كفاكم نفسه. إن إجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم "عن الرجل الذي مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟"

وقد روي في حديث أن ملكاً على بيت المقدس ينادي كل يوم وكل ليلة: من أكل حراماً لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا. الصرف: النافلة، والعدل: الفريضة. وقال عبد الله بن المبارك: (لأن أرد درهماً من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة). وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حج بمال حرام فقال لبيك، قال ملك: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك" وروى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه" وقال وهب بن الورد: لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا يقبل الله صلاة امرىء وفي جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه)

وقال سفيان الثوري: من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول، والثوب لا يطهره إلا الماء، والذنب لا يكفره إلا الحلال، وقال عمر رضي الله عنه: (كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام) و"عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام" وعن زيد بن أرقم قال: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ـ أي قد كاتبه على مال ـ وكان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله: من أين أتيت بها؟ فإن رضيه أكله وإلا تركه. قال فجاءه ذات ليلة بطعام وكان أبو بكر صائماً فأكل منه لقمة ونسي أن يسأله، ثم قال له: من أين جئت بهذا؟ فقال: كنت تكهنت لأناس بالجاهلية وما كنت أحسن الكهانة، إلا أني خدعتهم. فقال أبو بكر: أف لك كدت تهلكني! ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ ولا يخرج، فقيل له: إنها لا تخرج إلا بالماء، فدعا بماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه. فقيل له: يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة؟ فقال رضي الله عنه: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" . فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام" و إسناده صحيح.

قال العلماء رحمهم الله: ويدخل في هذا الباب: المكاس، والخاتن، والزغلي، والسارق، والبطال، وآكل الربا وموكله، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، ومن استعار شيئاً فجحده، وآكل الرشوة، ومنقص الكيل والوزن، ومن باع شيئاً فيه عيب فغطاه، والمقامر، والساحر، والمنجم، والمصور، والزانية، والنائحة والعشرية، والدلال، إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع، ومخبر المشتري بالزائد ومن باع حراً فأكل ثمنه.

(فصل) روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة، حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباءً منثورا ثم يقذف بهم في النار. فقيل يا رسول الله: كيف ذلك؟ قال: كانوا يصلون ويصومون، ويزكون، ويحجون، غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم" وعن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيراً، غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها. فنسأل الله تعالى العفو والعافية والتوفيق لما يحب ويرضى إنه جواد كريم رءوف رحيم.

وما نراه اليوم في حياتنا أن الأب يأكل الحرام ليطعم أولاده، وبعد وفاة الأب يعيش الأولاد فقراء من بعده.

المصدر: برنامج كيف تقلع عن المعاصي من موقع رحاب القلب.