التسويف

 

>> صفحات خاصة >> رمضان 2009 >> حتى يغيروا ما بأنفسهم

تعريف التسويف:
التسويف هو: اتخاذ قرار بتأخير عمل ما أو البتّ في أمر ما عمداً. عندما نلجأ للتسويف فإننا إما أن نُرجئَ العملَ إلى وقت ما في المستقبل؛ "سأزور صديقي يوما ما"، أو أن يحين الوقتُ المحدد مسبقاً دون إنجاز العمل؛ "كنت سأبدأ بالكتابة هذا اليوم لولا أن أصدقائي أغروني بالخروج، فخرجت معهم وضاع الوقت". وبتعبير آخر: هو تأخيرُ عملِ ما كنتَ ترى أن إنجازَه كان ضروريا.

الدوافع الخفية للتسويف:
على الرغم من أن تأخيرَ بعض الأعمال لتكوين صورة أفضل عنها أو جمع معلومات أكثر أمرٌ ممدوح، لكني متيقن أنك تتذكرُ الكثيرَ من الأعمال أو القرارات التي عملت على تأخيرها دون سبب مقنع. والواقعُ أن قيامنا بهذا الفعل يُخفي خلفه أسباباً كثيرة، سيساعدك التعرف لها في كشفها ومقاومتها في المرة القادمة عندما تقع في حبال التسويف:

أولا: القلق:
حيث التسويفُ وتأخيرُ العمل سيحميك من القلق حول ظهور العمل بصورة غير مرضية، ومن ثم شعورك بالإخفاق وضعف الثقة بالنفس. وهذا ما يتكرر حدوثه لدى بعض الطلاب؛ إذ يتأخرون في البت في إعداد بحث التخرج مثلاً، ويقضون أوقاتهم عبثاً هنا وهناك لتلافي البداية التي قد تكشف عن ضعف فكرة المشروع أو قلة أهميته.

ثانيا: ضعف تحمل الإحباط:
يمتلك الكثير من الناس عتبة منخفضة لتحمل أي شعور سلبي أو إحباط أو ملل عندما يواجهون أي عقبة في أثناء قيامهم بعمل ما، ومن ثم فهم يستسلمون مباشرة ويلجئون للتسويف والمماطلة. فالمدخن الذي يقرر ترك التدخين يشعر في الأيام الأولى ببعض التغيرات المزعجة؛ مثل القلق والتوتر والغضب السريع (أعراض انسحابية)، وحينها يقررُ مباشرةً العودةَ إلى التدخين، وتأجيل فكرة الإقلاع إلى أجل غير مسمى.
والمشكلة أننا نشعر بالراحة والسعادة بسبب تأخير أي عمل يسبب لنا إزعاجا أو مضايقة، مع أن المشكلة تتضخم من حيث لا نشعر..!!

ثالثا: إبداء الاحتجاج والغضب:
قد نلجأ للتسويف وتأخير إنجاز عمل مهم كتعبير عن غضبنا تجاه شخص آخر؛ فقد تلح عليك زوجتُك أن تقوم ببعض الإصلاحات في المنزل مما يشعرك بالغضب والتضايق وتقرر أن تؤجلها؛ "حتى ترى مع من تتكلم!". وبالمثل يطلب منك رئيسُك في العمل القيامَ بمهمة إضافية فتثور ثائرتك؛ "هل يظن أني خادم لديه. سوف أريه!"، فتقرر تأجيل العمل فيغضب رئيسك، ويقدم عنك تقريراً سيئاً يحرمك من الترقية في السنة التالية..!!
قال أحدهم: ((التسويفُ هو القبر الذي نواري فيه أحلامَنا وطموحاتِنا والفرص النادرة في حياتنا..)).

عبارات شائعة لتسويغ التسويف:
- ما زلتُ أتهيأ للانتظام في العمل.
كثيرا ما نؤخرُ الابتداء بمشروع ما بحجة أننا نهيئ (مزاجنا) للدخول في جو العمل. حيث نجلس على الكرسي لمدة طويلة، ونقضي الوقت في الشرود، ومحاكاة النفس، وهكذا يمضي الوقت دون أي إنجاز. تذكر أن الوقوف على عتبة العمل لن يساعدك على إتمامه، بل إن الولوج فيه ومقارعته هو ما سيمنحك القدرة والهمة والحماس.

- أحب أن أترك العمل إلى آخر لحظة..
حيث يعتقد بعض المسوّفين أن أفضل أدائهم يكون في أثناء شعورهم بالضغط النفسي في اللحظات الأخيرة. ولك أن توازن بين عملين أنجزت أحدهما على عجل في اللحظات الأخيرة، وآخر أنجزته في وقت مبكر، وسترى قدر الإتقان الذي يمنحه الإنجاز على مهل.
العمل في اللحظات الأخيرة يحرمك من مراجعته، وتقليب النظر فيه، ووضعه في صورته النهائية، والاستعانة ببعض المواد الإضافية أو الزيادات المفيدة ليظهر العمل على أفضل وجه.
والفكرة المخادعة هنا أننا في اللحظات الأخيرة نجد أنفسنا مضطرين للعمل (حافز قوي للعمل) ولذا نعمل بجد ونرى ثمرة ذلك أمامنا. ولذا نعتقد أن ضغط اللحظات العصيبة هو السبب في الإنجاز. والحقيقة أننا لو امتلكنا حافزا قوياً ومثيراً لإنجاز العمل في وقت مبكر فسنجد نتائج باهرة تفوق في جودتها نتائج العمل في اللحظات الأخيرة.

- أنتظر لحظات الإلهام والإبداع.
ومن المسوغات الشائعة للتسويف انتظار لحظات الإلهام التي تثير مكامنَ الإبداع والتحفيز لدينا للقيام بعمل متميز. وعلى كل حال فقد أثبتت هذه الفكرة خطأها، فالأفكار الملهمة والأعمال العظيمة لم تكن حصيلة التسويف والانتظار وتجنب خوض أعماق القضايا والمشكلات. بل كانت نتيجة للعمل الدؤوب والمستمر في كل الحالات النفسية المتباينة التي نمر بها بين حين وآخر. قال أحد الحكماء: ((لا يأتي التحفيزُ والإلهام أولاً .. بل إن الأعمال المنجزة هي التي تأتي أولا. يجب أن تشحن طاقتك لابتداء العمل سواءً كنت تشعر بالإلهام أو لا تشعر. وحالما تبدأ بالخطوات الأولى في طريق الإنجاز فهذا كفيل بأن يُشعل فيك فتيل الهمة والإبداع والعمل أكثر وأكثر)).

- ضياع الوقت بالملهيات و(الثانويات).
لعلك صادفتَ هذا الصنف من الناس الذي يكون تسويف العمل لديه وتأخيره نتيجة أمور ثانوية يعطيها أهميةً مبالغا فيها، ومن ثم تشتته عن ابتداء العمل أو مواصلته. فبينما هو مقبل على عمله يسمع رنين الهاتف: "لعله أمر هام قد تكون زوجتي في مشكلة"، ومن ثم تطرأ على ذهنه: "لا بد أن أعد قائمة التسوق"، "سأعد كأسا من القهوة حتى أركز أكثر" وهكذا سلسلة من الأعمال الهامشية التي لا تغني ولا تسمن من جوع حتى يضيع الوقت دون فائدة تذكر.
وقد يختبئ التسويف خلف القيام بأعمال أقل ضرورة وأهمية بشكل يطغى على الأعمال الضرورية. فبدل الجلوس للانتهاء من مشروع هام ترانا ننشغل: ((لا بد أن أشاهد نشرة الأخبار))، ((صديقي فلان لم أره منذ مدة طويلة، ترى ما أخباره؟..)) وهكذا مشتتات قد يكون لها أهمية – وهنا الفخ - لكنها بشكل واضح أقل أهمية من إنجاز العمل الذي بين يديك.

من أين أبدأ..؟
بعد أن تعرّفنا معظم الأسباب والدوافع الخفية للتسويف.. دعونا نتذاكر في أفكار تساعدنا على التخلص من التسويف:

- لابد أن نبدأ بامتلاك الوعي الكافي لمعرفة الدافع الخفي وراء كل محاولة لتأجيل العمل الذي بين أيدينا.. هل هذا التأجيل بسبب خوفي من الإخفاق؟، أو هربا من مواجهة مشكلة ما؟ أو أنه استسلام مبكر أمام تحدٍ أو عائق أو أمر محبط؟

- الأمر الذي يحدد قدرتنا على المواصلة في العمل دون تسويف هو مقدار الحماسة التي نمتلكها لأداء العمل، ومقدار المتعة التي نجدها فيه، أو بما يعدنا من نتيجة سارة عند الانتهاء منه. وكما قال أحدهم: ((عندما تكون الكتابةُ تسبب ألماً في الرقبة، ومشاهدة التلفاز تمنحُنا المتعة والترفيه فليس من العسير أن نستنتج أننا سنؤجل الكتابة ونشاهد التلفاز)). والحل هنا هو شحن أنفسنا بالمتعة والحماسة عندما نقبل على الكتابة ونتأمل لذتها الحالية أو شعورنا الجميل عند الانتهاء من إنجازها.

- قم بتقسيم العمل إلى خطوات سهلة وعملية.. وتابع تقدمَك عبر أدائك لهذه الأعمال الصغيرة. وليكن شعارُك (دعني أرى)، ولذلك أهمية كبيرة في مواصلة العمل.
فلو قلت لنفسك: إني سأحفظ كتاب الله فستقف مذهولاً أمام هذا العمل الضخم الذي أنت بصدده وستسوّف فيه كثيراً، ولكن عندما تنظر إلى عمل اليوم بأن تحفظ فقط نصف صفحة من القرآن، فستجد أنه أمر يسير يمكن القيام به. تذكر دائماً:
(القيام بعمل اليوم يمنحك رضا اليوم وفرص الغد).

والآن حان وقتُ العمل، اخطُ الخطوةَ الأولى.. ابدأ وستندهش من النتائج التي ستحققُها، وتذكّر أن أفضل وسيلة لتلافي الإخفاق والإحباط هي القعود مكتوف الأيدي دون عمل! .. فمن يعمل لا بد أن يخطئ، ولكننا نتعلم من الإخفاق أحيانا أكثر من النجاح.


منقول.