>> صفحات
خاصة >> رمضان 2009 >>
حتى يغيروا ما بأنفسهم
المباهاة مرض ... تدل على نفسيات ضعيفة فاقدة
الثقة بنفسها وتريد أن تصنع من الذي تملكه مجداً لها ...
لماذا يباهي الإنسان بنعمة أنعمها الله عليه؟..
يباهي ببيته ... بسيارته ... بماله ... بأولاده ... بمنصبه ووظيفته ... بقوته ...
برقم سيارته ... برقم هاتفه... بنوعية هاتفه الغالية ... بدرجاته العليا في
الامتحانات وتفوقه ...
سبحان الله ...
ما هي أسباب انتشار هذه الظاهرة؟ لماذا أصبحت الأنانية والمباهاة مرضاً مستشرياً
بين الناس؟...
كان النبيّ صلى الله وعليه وسلم يتخوّف من فتحِ الدّنيا على أمّته، يخاف عليهم
الافتتانَ بها، فعن عمرو بن عوف أنّ النبيّ صلى الله وعليه وسلم قال للأنصار لمّا
جاءه مالٌ من البحرين: ((أبشِروا وأمِّلوا ما يسرُّكم،
فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنّي أخشى أن تُبسَط عليكم الدّنيا كما بُسِطت على
من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلِككم كما أهلكتهم)) أخرجه
البخاري ...
ها نحن أصبحنا غارقين في بحور من الشهوات ونتنافس على المناصب والمال ونباهي بها
ونعلن إفلاسنا للعالم حيث أصبحنا شعوباً استهلاكية مضحوك عليها وتغرقنا الأمم
بمنتجاتها التي صنعتها أيادي أبنائها وعقولهم ، وأصبحنا نغير سياراتنا وهواتفنا كل
لحظة من أجل أن نتميز بين الناس ونسي الكثير منا الفقراء من الناس الذين لا يسألون
الناس إلحافاً ...
يؤلمني أن أرى هذه المباهاة التي تؤلم الفقراء وتكسر ظهور الكثير من الناس المضطرين
للاستقراض من أجل مواكبة الموضة والمشاركة في المباهاة..
يباهي الكثير من الناس بشهاداتهم التي حصلوا عليها ، وهم أبعد ما يكونون عن العلم
وطلبه ، فطلب العلم لا ينتهي بالحصول على تلك الورقة التي تشهد فيها جامعة أو مؤسسة
تعليمية أن صاحبها قد أنهى دراسته فيها بنجاح ...
أين الإخلاص في طلب العلم؟ أين الإخلاص في خدمة الوطن وفي السعي للحصول على كل جديد
في مجالات العلوم المختلفة لخدمة البلاد والعباد؟ هل أصبحت طموحات الكثيرين منا هي
الوظيفة والظهور أمام الناس؟...
كذلك فإن المباهاة مرتبطة بالغفلة ونسيان الآخرة وحب الدنيا والانشغال بشهواتها ،
وللأسف فإن الكثير من الشباب غارقين في حب الذات ونسوا تلك الحياة التكافلية التي
كان يعيشها آباؤنا وأجدادنا ، فهم ينعزلون عن الناس ويسكنون في أبراجٍ عاجية ولا
يعرف أحدهم جاره الذي يسكن جنبه ، وبدلاً عن ذلك يباهي جيرانه ، فإذا كان أحدهم قد
بنى بيتاً جميلاً فإنه سيحرص على أن يبني أجمل وأغلى بيت في تلك الحلة حتى لا يقال
أن فلاناً من الناس أكثر شأنٍ منه ...
وللأسف تحولت المباهاة حتى في العزية والأفراح ، ففي الأعراس تجد الناس يتكلفون
الأموال الكثيرة من أجل أن يحضر العرس أكبر عدد ممكن من الناس ويتميزوا عن غيرهم في
ذلك ، وربما بعضهم سعى للتميز بطريقة أخرى كأن يختار أغلى فندق في البلاد ليقيم
عرسه فيه ، وهكذا فالمباهاة مرض إذا أصاب صاحبه فإن هذا الفيروس ينتشر ليشمل كل شيء
في الحياة ...
وبعضهم يباهي بكتاباته ومقالاته العلمية والأدبية ويحرص كل الحرص على أن ينشر
مقالاته مصحوبة بصورة شخصية والبريد الإلكتروني ، وللأسف تجد أحياناً صور النساء
مصحوبة بالمقالات ولا أدري ما الداعي للصور من الأصل ...
وبعضهم يباهي بدشداشته وعمامته وعقاله ونعاله وعطره وأقلامه ، والقائمة تطول إلى كل
صغيرة وكبيرة في الدنيا ، وويل لأصحاب هذه العقول من هذا التفكير المدمر فهو يشغل
النفس عن أهدافها الحقيقية في الحياة وينسيها الدار الآخرة ويفقدها رزانتها ، كما
أنه ينتهك كرامة الإنسان عندما يربط قيمته بقيمة ما يملكه ، فالإيمان والأخلاق
والمبادئ والقيم هي أهم ما في الإنسان وليس الهاتف النقال والسيارة والبيت ...
ما عجبت منه أيضاً أنني سمعت عن بعضهم يباهون بنسائهم ، فبعضهم يعير الآخر بأن
امرأة الآخر مجرد ممرضة وأن امرأته هو معلمة أو طبية .. سبحانك ربي ما هذا الهراء
وما هذه العقول!
قال زويمر في مؤتمر القدس وهو أحد القسيسين المبشرين: ( إن مهمة التبشير التي
لأجلها ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في تنصير
المسلمين ، فإن ذلك هداية لهم وتكريماً ، وإنما هي في إخراج المسلم من الإسلام
وجعله مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليه الأمم
في حياتها وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ).
ثم بعد ذلك وجه خطابه إلى إخوانه القسيسين فقال: (إنكم قد ظفرتم ونجحتم أيما نجاح
في مهمتكم ذلك لأنكم أعددتم جيلاً لا همة له إلا بالشهوات ، فإن سما إلى أعلى
المناصب ففي سبيل الشهوات ، وإن جمع المال فلأجل الشهوات ).
منقول.