>> صفحات
خاصة >> رمضان 2009 >>
خواطر رمضانية
ماذا أفعل لو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير؟ !
لو أني أعلم ذلك ما أضعت فريضة فرضها الله عليّ أبدًا،
بل ولاجتهدت في تجميلها وتحسينها، فلا أصلي صلواتي إلا في المسجد، ولا ينطلق ذهني
هنا وهناك أثناء الصلاة، بل أخشع فيها تمام الخشوع، ولا أنقرها نقر الغراب، بل أطول
فيها، بل استمتع بها.. قال رسول الله : "وجعلت قرة عيني في الصلاة"..
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير لحرصت على الحفاظ على
صيامي من أن يُنقصه شيء.. فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. بل
أحتسب كل لحظة من لحظاته في سبيل الله، فأنا أجاهد نفسي والشيطان والدنيا بهذا
الصيام.. قال رسول الله : من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"..
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير.. لحرصت على صلاة
القيام في مسجد يمتعني فيه القارئ بآيات الله عز وجل، فيتجول بين صفحات
المصحف من أوله إلى آخره.. وأنا أتدبر معه وأتفهم.. بل إنني أعود بعد صلاة القيام
الطويلة إلى بيتي مشتاقًا إلى كلام ربي، فأفتح المصحف وأستزيد، وأصلي التهجد
وأستزيد، وبين الفجر والشروق أستزيد.. إنه كلام ربي!.. وكان عكرمة بن أبي جهل يفتح
المصحف ويضعه فوق عينيه ويبكي، ويقول: "كلام ربي.. كلام ربي.."
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير ما تجرأت على معصية،
ولا فتحت الجرائد والمجلات أبحث ملهوفًا عن مواعيد التمثيليات والأفلام والبرامج
الساقطة.. إن لحظات العمر صارت معدودة.. وليس معقولاً أن أدمر ما أبني، وأن أحطم ما
أشيد.. هذه صرحي الضخم الذي بنيته في رمضان من صيام وقيام وقرآن وصدقة.. كيف أهدمه
بنظرة حرام، أو بكلمة فاسدة، أو بضحكة ماجنة..
إنني في رمضان الأخير لا أقبل بوقت ضائع، ولا بنوم طويل،
فكيف أقبل بلحظات معاصي وذنوب، وخطايا وآثام.. إن هذا ليس من العقل في شيء..
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير ما كنزت المال لنفسي
أو لورثتي.. بل نظرت إلى ما ينفعني عند ربي.. ولبحثت بكل طاقتي عن فقير
محتاج، أو طالب علم مسكين، أو شاب يطلب العفاف ولا يستطيعه، أو مسلم في ضائقة.. أو
غير ذلك من أصناف المحتاجين والملهوفين..
ولوقفت إلى جوار هؤلاء بمالي ولو كان قليلاً.. فهذا هو الذي يبقى لي، أما الذي
أحتفظ به فهو الذي يفنى!
ولو أني أعلم أن هذا رمضاني الأخير ما نسيت أمتي..
فجراحها كثيرة، وأزماتها عديدة، وكيف أقابل ربي ولست مهمومًا بأمتي.. فلسطين محاصرة..
والعراق محتلة.. وأفغانستان كذلك.. واضطهاد في الشيشان، وبطش في كشمير، وتفتيت في
السودان، وتدمير في الصومال.. ووحوش في الأرض تنهش.. والمسلمون في غفلة..
هكذا كان يجب أن يكون رمضاني الأخير..
بل هكذا يجب أن يكون عمري كله..
بقلم د. راغب السرجاني