ليكن لك سهم
يا أحباب رسول الله: راعوا حق هذه الأيام مهما أمكنكم واشكروا الذي وهبكم الحياة
ومكنكم.. وتلمح وتأمل وفكر واشكر.. كم من أناس صلوا معكم في أول الشهر التراويح
وأوقدوا في المساجد طلبا للأجر المصابيح.. اقتنصهم قبل تمامه صائد الموت فقُهروا!!
وأسرتهم مصايد الهوى والفساد والذلات فأُسروا!!! لم ينفعهم المال والآمال لما نقلوا..
وأصبح كل منهم في اللحد سطراً.. يا متعوضا بما يفنى عما يبقى بئس التعويض، يا مسودا
صحائفه متى يكون التبييض؟! كم يقال لك ولا تقبل والحر تكفيه الملامة.. زاحم
التائبين وادخل حزب المعتكفين واجتهد وشد مئزرك لتكون عن النار من المعتوقين..
دعوني وربي
عن أبي هريرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في
رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً".. ومن
منا لا يعلم ذلك؟!
ولكن السؤال: لماذا كانت كل تلك الأهمية للاعتكاف؟!
وهل عندما تسمع السيدة عائشة وهي تقول "كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله".. وهل لم
تتوفر تلك الصفات عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا في رمضان؟!.. أم أنه إرشاد
للمؤمنين من بعده أن يسلكوا هذا الدرب، وتنبيه للغافلين أن يشمروا الى الجنة وموعظة
للعصاة أن يسلكوا الى نجاتهم طريق.. كي تقول للدنيا والأموال والأولاد والشهوات وكل
شاغل "دعوني أعش في رحاب ربي هذه الأيام".
والقلب هو المقصود والاعتكاف بالدرجة الأولى إنما هو عكوف القلب وتعلقه
بالله وحده فينقطع الإنسان عن الأهل والمال والبيت والعمل بحيث يصير القلب متلألأ
ويكون بجوفه كلمة واحدة "الله" فيستولي على بقية الجوارح فتنهمك في التقرب الى الله
بشتى الوسائل ومختلف السبل ويذهب العقل للتفكير ويصول ويجول ونصب عينيه.. هم واحد..
إرضاء الله.. وما أحلاه للقلب من هم!!..
فينظر بقلبه بعد العمى ويسعد بقربه بعد الشقا، ويقابل بالرحمة والمغفرة بعد السخط
ويوفق طوال حياته.
وتعريف بسيط يقول ابن رجب: "معنى الاعتكاف وحقيقته قطع العلائق عن الخلائق
للإتصال بخدمة الخالق.. وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت
صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال".. أي أن تترك خلفك زوجتك
وأولادك وأموالك وأهلك ومنصبك وتقبل على ربك بقلبك.. تزح عن نفسك همومها وتجلي عن
قلبك ران ذنوبه، وتجرف عن لسانك الغيبة والفحش والنميمة وبذاءة الكلام.. فهل من
مشمر؟! فعليك الآن بتجديد النية وشحذ الهمة وإعداد الراحلة وشد المئزر ويا لها
من وثبة الى الجنة.