عظماء في الاسلام - عبد الملك بن عمر

 


نموذج وقدوة للشباب
عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ابن شابه اباه في زهده وعفته وورعه، وكان خير ناصح لوالده في كثير من المواقف، وكما كان عبد الملك قدوة لابناء جيله من الشباب فهو ايضا قدوة لكل شاب يريد ان ينشا في عبادة ربه ليكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله.

قال عنه الحافظ ابو نعيم في الحلية: كان للحق نافذا وللباطل واقذا

وقال ميمون بن مهران: ما رايت ثلاثة في بيت اخير من عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك ومولاه مزاحم.

لم تذكر لنا كتب التاريخ والتراجم مولده ونشاته بقدر ما ذكرت مواقف من حياته في الزهد والعفة والنصيحة فالى بعضها من خلال هذه السطور.

نصيحته لعمر
لم يستغل عبد الملك منصب ابيه ومكانة اسرته؛ ليعيش حياة كلها ترف وتنعم دون احساس باية مسئولية تجاه ما يحدث حوله من احداث، بل على العكس من ذلك عرف عبد الملك زهدا اكثر من زهد ابيه، وكان نعم الناصح لابيه، خوفا عليه من عظم المسئولية الملقاة على عاتقه.

روي عن عبد الله بن يونس الثقفي عن سيار ابي الحكم قال: قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك ـ وكان يفضل على عمر ـ يا ابت اقم الحق ولو ساعة من نهار.

وعن يحيى بن يعلى المحاربي عن بعض مشيخة اهل الشام قال كنا نرى ان عمر بن عبد العزيز انما ادخله في العبادة ما راى من ابنه عبد الملك.

وروي عن ميمون بن مهران ان عبد الملك بن عمر قال له يا ابت ما منعك ان تمضي لما تريد من العدل والله ما كنت ابالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك قال يا بني انما انا اروض الناس رياضة الصعب اني لاريد ان احيي الامر من العدل فاؤخر ذلك حتى اخرج معه طمعا من طمع الدنيا فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه .

وعن خالد ابن يزيد عن جعونة قال: دخل عبد الملك على ابيه عمر فقال يا امير المؤمنين ماذا تقول لربك اذا اتيته وقد تركت حقا لم تحيه وباطلا لم تمته قال اقعد يا بني ان اباءك واجدادك خدعوا الناس عن الحق فانتهت الامور الي وقد اقبل شرها وادبر خيرها ولكن اليس حسبي جميلا ان لا تطلع الشمس علي في يوم الا احييت فيه حقا وامت فيه باطلا حتى ياتيني الموت وانا على ذلك.

وعن اسماعيل بن ابي حكيم وكان كاتب عمر بن عبد العزيز قال دخل عبد الملك على ابيه عمر فقال اين وقع لك رايك فيما ذكر لك مزاحم من رد المظالم. قال: على انفاذه فرفع عمر يديه ثم قال الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على امر ديني.

مواقف من حياته
عن هشام بن حسان قال: قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم كم ترانا اصبنا من اموال المؤمنين قال قلت يا امير المؤمنين اتدري ما عيالك قال نعم الله لهم فخرجت من عنده فلقيت ابنه عبد الملك فقلت له هل تدري ما قال امير المؤمنين قال وما قال قلت قال هل تدري ما اصبنا من اموال المؤمنين قال فما قلت له قال قلت له هل تدري ما عيالك قال نعم الله لهم قال عبد الملك بئس الوزير انت يا مزاحم ثم جاء يستاذن على ابيه فقال للاذن استاذن لي عليه فقال له الاذن انما لابيك من الليل والنهار هذه الساعة قال لا بد من لقائه فسمع عمر مقالتهما قال من هذا قال الاذن عبد الملك قال ائذن له قال فدخل فقال ما جاء بك هذه الساعة قال شيء ذكره لي مزاحم قال نعم فما رايك قال رايي ان تمضيه قال فاني اروح الى الصلاة فاصعد المنبر فارده على روؤس الناس قال ومن لك ان تعيش الى الصلاة قال فمه قال الساعة قال فخرج فنودي في الناس الصلاة جامعة فصعد المنبر فرده على رؤس الناس.

وعن اسماعيل بن ابي حكيم قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فلما تفرقنا نادى مناديه الصلاة جامعة قال فجئت المسجد فاذا عمر على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان هؤلاء اعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا ان ناخذها وما كان ينبغي لهم ان يعطونها واني قد رايت ذلك ليس على فيه دون الله محاسب واني قد بدات بنفسي واهل بيتي اقرا يا مزاحم فجعل مزاحم يقرا كتابا كتابا ثم ياخذه عمر فيقطعه حتى نودي بالظهر.

و عن ميمون ابن مهران قال بعث الي عمر بن عبد العزيز والي مكحول والى ابي قلابة فقال ما ترون في هذه الاموال التي اخذت من الناس ظلما فقال مكحول يومئذ قولا ضعيفا كرهه فقال ارى ان تستانف فنظر الي عمر كالمستغيث بي قلت يا امير المؤمنين ابعث الى عبد الملك فاحضره فانه ليس بدون من رايت قال يا حارث ادع لي عبد الملك فلما دخل عليه عبد الملك قال يا عبد الملك ما ترى في هذه الاموال التي قد اخذت من الناس ظلما قد حضروا يطلبونها وقد عرفنا مواضعها قال ارى ان تردها فان لم تفعل كنت شريكا لمن اخذها.

وقال اسماعيل بن ابي حكيم قال غضب عمر بن عبد العزيز يوما فاشتد غضبه و كان فيه حدة وعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز حاضر فلما سكن غضبه قال يا امير المؤمنين انت في قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله به وما ولاك من امر عباده يبلغ بك الغضب ما ارى قال كيف قلت قال فاعاد عليه كلامه فقال اما تغضب يا عبد الملك فقال ما تغني سعة جوفي ان لم اردد فيها الغضب حتى لا يظهر منه شيء اكرهه قال وكان له بطين.

عن ابن ابي عبلة قال جلس عمر يوما للناس فلما انتصف النهار ضجر وكل ومل فقال للناس مكانكم حتى انصرف اليكم فدخل ليستريح ساعة فجاء ابنه عبد الملك فسال عنه فقالوا دخل فاستاذن عليه فاذن له فلما دخل قال يا امير المؤمنين ما ادخلك قال اردت ان استريح ساعة قال او امنت الموت ان ياتيك ورعيتك على بابك ينتظرونك وانت محتجب عنهم فقام عمر من ساعته وخرج الى الناس .

وفاته
توفي عبد الملك وهو في ريعان الشباب وحزن عليه عمر حزنا شديدا، وروي ابو نعيم ان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز اصابه الطاعون في خلافة ابيه فمات قال والله ما من احد اعز علي من عمر ولان اكون سمعت بموته احب الي من ان اكون كما رايته.

وقد رزقه الله بصيرة نافذة حتى انه شعر بدنو اجله، فلما جاءت امراته اليه وقد ترجلت ولبست ازارا ورداءا ونعلين فلما راها قال اعتدى اعتدى.

وروي عن زياد بن ابي حسان انه شهد عمر بن عبد العزيز حيث دفن ابنه عبد الملك قال لما دفنه وسوى عليه قبره بالارض وضعوا عنده خشبيتين من زيتون احداهما عند راسه والاخرى عند رجليه ثم جعل قبره بينه وبين القبلة واستوى قائما واحاط به الناس فقال رحمك الله يا بني لقد كنت بارا بابيك والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورا بك ولا والله ما كنت قط اشد بك مسرورا ولا ارجي بحظي من الله فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيرك الله اليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك وجزاك باحسن عملك ورحم الله كل شافع يشفع لك بخير من شاهد او غائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لامر الله والحمد لله رب العالمين ثم انصرف.

وقال علي ابن حصين: شهدت عمر تتابعت عليه مصائب مات اخ له ثم مات مزاحم ثم مات عبد الملك فلما مات عبد الملك تكلم فحمد الله واثنى عليه ثم قال لقد دفعته الى النساء في الخرق فما زلت ارى فيه السرور وقرة العين الى يومي هذا فما رايته في امر قط اقر لعيني من امر رايته فيه اليوم.

وروي ان عمر كتب في رثاء عبد الملك الى عبد الحميد بن عبد الرحمن في شان ابنه عبد الملك حين توفي اما بعد فان الله تبارك اسمه وتعالى ذكره كتب على خلقه حين خلقهم الموت وجعل مصيرهم اليه فقال فيما انزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه واشهد ملائكته على حقه انه يرث الارض ومن عليها واليه يرجعون ثم قال لنبيه عليه السلام {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افان مت فهم الخالدون} ثم قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى فالموت سبيل الناس في الدنيا لم يكتب الله لمحسن ولا لمسيء فيها خلدا ولم يرض ما اعجب اهلها ثوابا لاهل طاعته ولم يرض ببلائها نقمة لاهل معصيته فكل شيء منها اعجب اهلها او كرهوا منه شيئا متروك. لذلك خلقت حين خلقت وسكنت منذ سكنت ليبلو الله فيها عباده ايهم احسن عملا، فمن قدم عند خروجه من الدنيا الى اهل طاعته ورضوانه من انبيائه وائمة الهدى الذين امر الله نبيه ان يقتدي بهداهم خالد في دار المقامة من فضله لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب، ومن كانت مفارقته الدنيا الى غيرهم وغير منازلهم فقد قابل الشر الطويل واقام على مالا قبل له به، اسال الله برحمته ان يبقينا ما ابقانا في الدنيا مطيعين لامره متبعين لكتابه، وجعلنا اذا خرجنا من الدنيا الى نبينا ومن امرنا ان نقتدي بهداه من المصطفين الاخيار واساله برحمته ان يقينا اعمال السوء في الدنيا والسيئات يوم القيامة ثم ان عبد الملك ابن امير المؤمنين كان عبدا من عباد الله احسن الله اليه في نفسه واحسن الى ابيه فيه اعاشه الله ما احب ان يعيشه ثم قبضه اليه حين احب ان يقبضه وهو فيما علمت بالموت مغتبط يرجو فيه من الله رجاء حسنا فاعوذ بالله ان تكون لي محبة في شيء من الامور تخالف محبة الله فان خلاف ذلك لا يصلح في بلائه عندي واحسانه الى ونعمته علي وقد قلت فيما كان من سبيله والحمد لله ما رجوت به ثواب الله وموعده الصادق من المغفرة انا لله و انا اليه راجعون ثم لم اجد والحمد لله بعده في نفسي الا خيرا من رضى بقضاء الله واحتساب لما كان من المصيبة فحمدا لله على ما مضى وعلى ما بقي وعلى كل حال من امر الدنيا والاخرة احببت ان اكتب اليك بذلك واعلمك من قضاء الله فلا اعلم ما نيح عليه في شيء من قبلك ولا اجتمع على ذلك احد من الناس ولا رخصت فيه لقريب من الناس ولا لبعيد واكفني ذلك بكفاية الله ولا الومك فيه ان شاء الله والسلام عليك.