عظماء في الاسلام - الشيخ الشعراوي

 


عرف باسلوبه العذب البسيط في تفسير القران، وكان تركيزه على النقاط الايمانية في تفسيره جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وان اسلوبه يناسب جميع المستويات والثقافات.
انه الشيخ محمد متولي الشعراوي اشهر من فسر القران في عصرنا.

مولده وتعليمه
ولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 5 ابريل عام 1911 م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية وحفظ القران الكريم في الحادية عشرة من عمره.

في عام 1926 م التحق الشيخ الشعراوي بمعهد الزقازيق الابتدائي الازهري، واظهر نبوغا منذ الصغر في حفظه للشعر والماثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الازهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي، وزاد اهتمامه بالشعر والادب، و حظى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسا لاتحاد الطلبة، ورئيسا لجمعية الادباء بالزقازيق، وكان معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والشاعر طاهر ابو فاشا، والاستاذ خالد محمد خالد والدكتور احمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.

وكانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي، عندما اراد له والده الحاقه بالازهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود ان يبقى مع اخوته لزراعة الارض، ولكن اصرار الوالد دفعه لاصطحابه الى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن.

فما كان من الشيخ الا ان اشترط على والده ان يشتري له كميات من امهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القران والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتى يرضى والده بعودته الى القرية.

لكن والده فطن الى تلك الحيلة، واشترى له كل ما طلب قائلا له: انا اعلم يا بني ان جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني اثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.

فما كان امام الشيخ الا ان يطيع والده، ويتحدى رغبته في العودة الى القرية، فاخذ يغترف من العلم، ويلتهم منه كل ما تقع عليه عيناه.

والتحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الازهرية، فثورة سنة 1919م اندلعت من الازهر الشريف، ومن الازهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الانجليز المحتلين. ولم يكن معهد الزقازيق بعيدا عن قلعة الازهر الشامخة في القاهرة، فكان الشيخ يزحف هو وزملائه الى ساحات الازهر واروقته، ويلقى بالخطب مما عرضه للاعتقال اكثر من مرة، وكان وقتها رئيسا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.

التدرج الوظيفي
تخرج الشيخ عام 1940 م، وحصل على العالمية مع اجازة التدريس عام 1943م.

بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك الى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالاسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي الى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل استاذا للشريعة بجامعة ام القرى.

ولقد اضطر الشيخ الشعراوي ان يدرس مادة العقائد رغم تخصصه اصلا في اللغة وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة الا ان الشيخ الشعراوي استطاع ان يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع. وفي عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود. وعلى اثر ذلك منع الرئيس عبد الناصر الشيخ الشعراوي من العودة ثانية الى السعودية وعين في القاهرة مديرا لمكتب شيخ الازهر الشريف الشيخ حسن مامون. ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي الى الجزائر رئيسا لبعثة الازهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس واثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967، وقد تالم الشيخ الشعراوي كثيرا لاقسى الهزائم العسكرية التي منيت بها مصر والامة العربية وحين عاد الشيخ الشعراوي الى القاهرة وعين مديرا لاوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلا للدعوة والفكر، ثم وكيلا للازهر ثم عاد ثانية الى المملكة العربية السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.

وفي نوفمبر 1976م اختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء انذاك اعضاء وزارته، واسند الى الشيخ الشعراوي وزارة الاوقاف وشئون الازهر. فظل الشعراوي في الوزارة حتى اكتوبر عام 1978م.

وبعد ان ترك بصمة طيبة على جبين الحياة الاقتصادية في مصر، فهو اول من اصدر قرارا وزاريا بانشاء اول بنك اسلامي في مصر وهو (بنك فيصل) حيث ان هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد او المالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك.

وقال في ذلك: انني راعيت وجه الله فيه ولم اجعل في بالي احدا لانني علمت بحكم تجاربي في الحياة ان اي موضوع يفشل فيه الانسان او تفشل فيه الجماعة هو الموضوع الذي يدخل هوى الشخص او اهواء الجماعات فيه. اما اذا كانوا جميعا صادرين عن هوى الحق وعن مراده، فلا يمكن ابدا ان يهزموا، وحين تدخل اهواء الناس او الاشخاص، على غير مراد الله، تتخلى يد الله.

وفي سنة 1987م اختير فضيلته عضوا بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين). وقرظه زملاؤه بما يليق به من كلمات، وجاء انضمامه بعد حصوله على اغلبية الاصوات (40عضوا). وقال يومها: ما اسعدني بهذا اللقاء، الذي فرحت به فرحا على حلقات: فرحت به ترشيحا لي، وفرحت به ترجيحا لي، وفرحت به استقبالا لي، لانه تكريم نشا عن الحاق لا عن لحوق، والالحاق استدعاء، ادعو الله بدعاء نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اللهم اني استعيذك من كل عمل اردت به وجهك مخالطا فيه غيرك. فحين رشحت من هذا المجمع امنت بعد ذلك اننا في خير دائم، واننا لن نخلو من الخير ما دام فينا كتاب الله، سالني البعض: هل قبلت الانضمام الى مجمع الخالدين، وهل كتب الخلود لاحد؟ وكان ردي: ان الخلود نسبي، وهذا المجمع مكلف بالعربية، واللغة العربية للقران، فالمجمع للقران، وسيخلد المجمع بخلود القران.

اسرة الشعراوي
تزوج الشيخ الشعراوي وهو في الابتدائية بناء على رغبة والده الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، وكان اختيارا طيبا لم يتعبه في حياته، وانجب الشعراوي ثلاثة اولاد وبنتين، الاولاد: سامي وعبد الرحيم واحمد، والبنتان فاطمة وصالحة. وكان الشيخ يرى ان اول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين. وعن تربية اولاده يقول: اهم شيء في التربية هو القدوة، فان وجدت القدوة الصالحة سياخذها الطفل تقليدا، واي حركة عن سلوك سيئ يمكن ان تهدم الكثير.

فالطفل يجب ان يرى جيدا، وهناك فرق بين ان يتعلم الطفل وان تربي فيه مقومات الحياة، فالطفل اذا ما تحركت ملكاته وتهيات للاستقبال والوعي بما حوله، اي اذا ما تهيات اذنه للسمع، وعيناه للرؤية، وانفه للشم، وانامله للمس، فيجب ان نراعي كل ملكاته بسلوكنا المؤدب معه وامامه، فنصون اذنه عن كل لفظ قبيح، ونصون عينه عن كل مشهد قبيح.

واذا اردنا ان نربي اولادنا تربية اسلامية، فان علينا ان نطبق تعاليم الاسلام في اداء الواجبات، واتقان العمل، وان نذهب للصلاة في مواقيتها، وحين نبدا الاكل نبدا باسم الله، وحين ننتهي منه نقول: الحمد لله.. فاذا رانا الطفل ونحن نفعل ذلك فسوف يفعله هو الاخر حتى وان لم نتحدث اليه في هذه الامور، فالفعل اهم من الكلام.

الجوائز التي حصل عليها
منح الامام الشعراوي وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15/4/1976 م قبل تعيينه وزيرا للاوقاف وشئون الازهر.

ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الاولى عام 1983م وعام 1988م، ووسام في يوم الدعاة.

حصل على الدكتوراه الفخرية في الاداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.

اختارته رابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة عضوا بالهيئة التاسيسية لمؤتمر الاعجاز العلمي في القران الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة، وعهدت اليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الابحاث الواردة الى المؤتمر.

اعدت حوله عدة رسائل جامعية منها رسالة ماجستير عنه بجامعة المنيا ـ كلية التربية ـ قسم اصول التربية، وقد تناولت الرسالة الاستفادة من الاراء التربوية لفضيلة الشيخ الشعراوي في تطوير اساليب التربية المعاصرة في مصر.

جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989م والذي تعقده كل عام لتكريم احد ابنائها البارزين، واعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته واعماله ودوره في الدعوة الاسلامية محليا، ودوليا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.

مؤلفات الشيخ الشعراوي
للشيخ الشعراوي عدد من المؤلفات، قام عدد من محبيه بجمعها واعدادها للنشر، واشهر هذه المؤلفات واعظمها تفسير الشعراوي للقران الكريم، ومن هذه المؤلفات:

الاسراء والمعراج.
اسرار بسم الله الرحمن الرحيم.
الاسلام والفكر المعاصر.
الاسلام والمراة، عقيدة ومنهج.
الشورى والتشريع في الاسلام.
الصلاة واركان الاسلام.
الطريق الى الله.
الفتاوى.
لبيك اللهم لبيك.
100 سؤال وجواب في الفقه الاسلامي.
المراة كما ارادها الله.
معجزة القران.
من فيض القران.
نظرات في القران.
على مائدة الفكر الاسلامي.
القضاء والقدر.
هذا هو الاسلام.
المنتخب في تفسير القران الكريم.

الشاعر
عشق الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ اللغة العربية، وعرف ببلاغة كلماته مع بساطة في الاسلوب، وجمال في التعبير، ولقد كان للشيخ باع طويل مع الشعر، فكان شاعرا يجيد التعبير بالشعر في المواقف المختلفة، وخاصة في التعبير عن امال الامة ايام شبابه، عندما كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القوية المعبرة، وكان الشيخ يستخدم الشعر ايضا في تفسير القران الكريم، وتوضيح معاني الايات، وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول عرفوني شاعرا

وعن منهجه في الشعر يقول: حرصت على ان اتجه في قصائدي الى المعنى المباشر من اقصر طريق.. بغير ان احوم حوله طويلا.. لان هذا يكون الاقرب في الوصول الى اعماق القلوب. خاصة اذا ما عبرت الكلمات بسيطة وواضحة في غير نقص. وربما هذا مع مخاطبتي للعقل هو ما يغلب على احاديثي الان للناس.

يقول في قصيدة بعنوان موكب النور:

اريحي السمــاح والايثـار لك ارث يا طيبة الانـوار

وجلال الجمال فيـك عريق لا حرمنا ما فيه من اسـرار

تجتلي عندك البصائر معنى فوق طوق العيون والابصار

الشعر ومعاني الايات
ويتحدث امام الدعاة فضيلة الشيخ الشعراوي في مذكراته التي نشرتها صحيفة الاهرام عن تسابق اعضاء جمعية الادباء في تحويل معاني الايات القرانية الى قصائد شعر. كان من بينها ما اعجب بها رفقاء الشيخ الشعراوي اشد الاعجاب الى حد طبعها على نفقتهم وتوزيعها. يقول امام الدعاة ومن ابيات الشعر التي اعتز بها، ما قلته في تلك الاونة في معنى الرزق ورؤية الناس له. فقد قلت:

تحرى الى الرزق اسبابه

فانـك تجـهل عنـوانه

ورزقـك يعرف عنوانك

وعندما سمع سيدنا الشيخ الذي كان يدرس لنا التفسير هذه الابيات قال لي: يا ولد هذه لها قصة عندنا في الادب. فسالته: ما هي القصة: فقال: قصة شخص اسمه عروة بن اذينة.. وكان شاعرا بالمدينة وضاقت به الحال، فتذكر صداقته مع هشام بن عبد الملك.. ايام ان كان امير المدينة قبل ان يصبح الخليفة. فذهب الى الشام ليعرض تازم حالته عليه لعله يجد فرجا لكربه. ولما وصل اليه استاذن على هشام ودخل. فساله هشام كيف حالك يا عروة؟. فرد: والله ان الحال قد ضاقت بي.. فقال لي هشام: الست انت القائل:

لقد علمت وما الاشراق من خلقي ان الذي هـو رزقي سوف ياتيني

واستطرد هشام متسائلا: فما الذي جعلك تاتي الى الشام وتطلب مني.. فاحرج عروة الذي قال لهشام: جزاك الله عني خيرا يا امير المؤمنين.. لقد ذكرت مني ناسيا، ونبهت مني غافلا.. ثم خرج..

وبعدها غضب هشام من نفسه لانه رد عروة مكسور الخاطر.. وطلب القائم على خزائن بيت المال واعد لعروة هدية كبيرة وحملوها على الجمال.. وقام بها حراس ليلحقوا بعروة في الطريق.. وكلما وصلوا الى مرحلة يقال لهم: كان هنا ومضى. وتكرر ذلك مع كل المراحل الى ان وصل الحراس الى المدينة.. فطرق قائد الركب الباب وفتح له عروة.. وقال له: انا رسول امير المؤمنين هشام.. فرد عروة: وماذا افعل لرسول امير المؤمنين وقد ردني وفعل بي ما قد عرفتم ؟..

فقال قائد الحراس: تمهل يا اخي.. ان امير المؤمنين اراد ان يتحفك بهدايا ثمينة وخاف ان تخرج وحدك بها.. فتطاردك اللصوص، فتركك تعود الى المدينة وارسل اليك الهدايا معنا.. ورد عروة: سوف اقبلها ولكن قل لامير المؤمنين لقد قلت بيتا ونسيت الاخر.. فساله قائد الحراس:

ما هو ؟.. فقال عروة:
اسعى له فيعييني تطلبه ولو قعدت اتاني يعينني
وهذا يدلك ـ فيما يضيفه امام الدعاة ـ على حرص اساتذتنا على ان ينمو في كل انسان موهبته، ويمدوه بوقود التفوق.

مواقف وطنية
ويروي امام الدعاة الشيخ الشعراوي في مذكراته وقائع متفرقة الرابط بينها ابيات من الشعر طلبت منه وقالها في مناسبات متنوعة.. وخرج من كل مناسبة كما هي عادته بدرس مستفاد ومنها مواقف وطنية.

يقول الشيخ: و اتذكر حكاية كوبري عباس الذي فتح على الطلاب من عنصري الامة والقوا بانفسهم في مياه النيل شاهد الوطنية الخالد لابناء مصر. فقد حدث ان ارادت الجامعة اقامة حفل تابين لشهداء الحادث ولكن الحكومة رفضت.. فاتفق ابراهيم نور الدين رئيس لجنة الوفد بالزقازيق مع محمود ثابت رئيس الجامعة المصرية على ان تقام حفلة التابين في اية مدينة بالاقاليم. ولا يهم ان تقام بالقاهرة.. ولكن لان الحكومة كان واضحا اصرارها على الرفض لاي حفل تابين فكان لابد من التحايل على الموقف.. وكان بطل هذا التحايل عضو لجنة الوفد بالزقازيق حمدي المرغاوي الذي ادعى وفاة جدته واخذت النساء تبكي وتصرخ.. وفي المساء اقام سرادقا للعزاء وتجمع فيه المئات وظنت الحكومة لاول وهلة انه حقا عزاء.. ولكن بعد توافد الاعداد الكبيرة بعد ذلك فطنت لحقيقة الامر.. بعد ان افلت زمام الموقف وكان اي تصد للجماهير يعني الاصطدام بها.. فتركت الحكومة اللعبة تمر على ضيق منها.. ولكنها تدخلت في عدد الكلمات التي تلقى لكيلا تزيد للشخص الواحد على خمس دقائق.. وفي كلمتي بصفتي رئيس اتحاد الطلبة قلت: شباب مات لتحيا امته وقبر لتنشر رايته وقدم روحه للحتف والمكان قربانا لحريته ونهر الاستقلال.. ولاول مرة يصفق الجمهور في حفل تابين. وتنازل لي اصحاب الكلمة من بعدي عن المدد المخصصة لهم.. لكي القى قصيدتي التي اعددتها لتابين الشهداء البررة والتي قلت في مطلعها:

نــداء يابني وطني نــداء دم الشهداء يذكره الشبــاب

وهل نسلوا الضحايا والضحايا بهم قد عز في مصر المصاب

شبـــاب بر لم يفرق.. وادى رسالته، وها هي ذي تجاب

فلـم يجبن ولم يبخل وارغى وازبد لا تزعزعـــه الحراب

وقــــدم روحه للحق مهرا ومن دمه المراق بدا الخضاب

واثر ان يمــــوت شهيد مصر لتحيا مصر مركزها مهاب


مع الشعراء
وللشيخ الشعراوي ذكريات مع الشعراء والادباء، شهدت معارك ادبية ساخنة، وكان للشيخ فيها مواقف لا تنسى.

يقول الشيخ: حدث ايام الجماعة الادبية التي كنت اراسها حوالي عام 1928.. والتي كانت تضم معي اصدقاء العمر الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي ـ اطال الله عمره ـ والمرحوم محمد فهمي عبد اللطيف وكامل ابو العينين وعبد الرحمن عثمان رحمه الله.. حدث ان كانوا على صلة صداقة مع شاعر مشهور وقتها بطول اللسان والافتراء على اي انسان اسمه عبد الحميد الديب، صاحب قصيدة دع الشكوى وهات الكاس واسكر.. والذي لم يسلم احد من لسانه.. والذي كان يعيش على هجاء خلق الله الى ان يمنحوه مالا.. وجاءت ذات ليلة سيرتي امامه.. وقال له الاصدقاء اعضاء الجماعة الادبية عن كل ما اقرضته من قصائد شعرية.. فرد وقال: الشيخ الشعراوي شاعر كويس.. ولكن لا يصح ان يوصف بانه شاعر.. ولما سالوه: لماذا؟.. قال: ان المفترض في شعر الشاعر ان يكون مجودا في كل غرض.. وهو لم يقل شعرا في غرضين بالذات ولما حكوا لي عن هذا الذي قاله الشاعر محجوب عبد الحميد الديب.. قلت لهم: اما انني لم اقل شعرا في الغزل.. فارجو ان تبلغوه بانني اقرضت الشعر في الغزل ايضا.. لكنه غزل متورع.. وانقلوا اليه الابيات عني.. والتي قلت فيها:

مــن لم يحركه الجمال فناقـص تكوينه وسوى خلق الله من يهوي ويسمح دينه

سبحان من خلق الجمال والانهزام لسطوته ولهذا يامرنا بغض الطرف عنه لرحمته

مـن شاء يطلبه فلا الا بطــهر شريعته وبذا يدوم لنـا التمتــع ها هنا وبجنته

واما عن الهجاء فقلت لاصدقائي: انني لا اجد موضوعا اتناوله الا ان اهجو عبد الحميد الديب نفسه.. ولن اشهر به.. ولكن فليات الينا.. ويجلس معنا.. واقول له انني سوف اهجوك بكذا وكذا.. ثم اخيره بعد ذلك ان يعلن هجائي له او لا يعلنه.. وقد تحداني وقدم الى منزلي بباب الخلق وسالني: ما الذي سوف تقوله في عبد الحميد الديب يا ابن الشعراوي؟ فقلت له: والله لن اقول شعري في هجائك لاحد الى ان تقوله انت وانا اقطع بانك لن تكرر على مسامع الناس هجائي لك.. وبالفعل ما سمعه عبد الحميد الديب مني في هجائه لم يستطع ـ كما توقعت ـ ان يكرره على مسامع احد.. ولذلك كنت الوحيد من شلة الادباء الذي سلم من لسانه بعدها. لانه خاف مني وعلم قوتي في شعر الهجاء ايضا.. ومن هنا ترسخ يقيني بان التصدي للبطش والقوة لا يكون الا بامتلاك نفس السلاح.. سلاح القوة ولكن بغير بطش..

اشعار ومناسبات
ويقول الشيخ عن اشعاره في المناسبات المختلفة: كنا في كل مناسبة نعقد ندوات ونلقي بالاشعار، وكان هذا مبعث نهضة ادبية واسعة في زماننا.. كانت معينا لا ينضب لغذاء القلب والعقل والروح لا يفرغ ابدا.. واذكر من هذه الايام ان كنا نحيي في قريتنا ذكرى الوفاء الاولى لرحيل حبيب الشعب سعد زغلول. وطلب مني خالي ان اقرض ابياتا في تابين الزعيم.. فقلت على ما اذكر:
عام مضى وكانه اعوام يا ليته ما كان هذا العام
ويومها قال لي خالي ومن سمعوني: يا امين.. قلت واوجزت.. وعبرت.. عما يجيش في صدور الخلق.