رمضان علاج للنفس ودفعة للأمام

 


يهل علينا رمضان بفيضه الإيمانى كل عام محركا فينا مزيدا من التفكر حول أيات الله ونعمه التى أسبغها علينا وعلى الكون من حولنا، ومن هذه النعم و الأيات الصيام والتعبد في رمضان.

ومن هذا التفكر الذى حركه رمضان في خاطرى هذا العام الخواطر التالية أذكر بها نفسى وإخوانى سائلا الله أن ينفعنا جميعا بها:

رمضان وحقيقة الدنيا

أولا: يعلم الجميع أن صوم رمضان يشعر الأغنياء والمتوسطين بحال الفقراء من جوع وعطش وما ينتج عنهما من جهد وإعياء (وأيضا برد إذا كنا في الشتاء)، لكن الحالة الرمضانية ليست هذا فقط؛ لأن من هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان أنه كان أجود ما يكون في رمضان، وفي هذا إشارة بأن رمضان لايشعرنا فقط بمعاناة الفقراء إنما أيضا يخطو بنا خطوة إيجابية تالية تتبع هذا الشعور وتنتج عنه ألا وهى الإجتهاد الحثيث في مساعدة هؤلاء الفقراء و رفع المعانة عنهم، فرمضان ليس شعورا فقط وإنما أيضا هو سلوك عملى و إيجابى إزاء الفقراء.

ثانيا: إن رمضان لايشعرنا فقط بمعاناة الفقراء وإنما يشعرنا أيضا بحقيقة الدنيا وقيمتها الحقيقية، فمهما كان المسلم غنيا فإنه يمتنع عن تناول الطعام والشراب والجماع لفترة ربما تزيد في المتوسط العام عن 12 ساعة يوميا ولمدة شهر متصل، وهو مع ذلك يعيش سعيدا و يقوم بأعماله؛ وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الإنسان يستطيع أن يعيش بالقليل من متاع الدنيا دون أن يتضرر ضررا لا يحتمل؛ وعلى هذا الإدراك يسهل على الإنسان أن يتحرر من الإغراق فى التعلق بالدنيا؛ وبذا يتحرر من قيود مثل هذا التعلق فيسهل عليه التخلى عن ما يشاء من متاعات الدنيا وشهواتها مثل التخلى عن ذلك إن كان حراما أو كان سيعيق عن خير من عبادة ونحوها.
 

رمضان علاج للنفس

ثالثا: إن رمضان هو شهرالقرآن فقد نزل القرآن فى رمضان كما كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من تلاوة القرآن فيه كما كان يتدارسه مع جبريل كل ليلة من ليالى الشهر الفضيل وكان يعرض القرآن عرضة كاملة عليه كل رمضان حتى إذا جاء أخر رمضان قبل موته صلى الله عليه وآله وسلم عرض القرآن على جبريل عرضتين، كما سن النبى صلى الله عليه وآله وسلم صلاة التراويح فى رمضان بما فيها من تلاوة قرآنية طويلة، ولما كان القرآن فيه شفاء للأمراض القلبية الدينية كالشهوات والشبهات فإن من شأن التركيز على تلاوة القرآن ودراسته وتفهمه طوال الشهر الفضيل أن يعالج ما لدى المسلم من شهوات محرمة أو شبهات خاطئة ويعطيه دفعة إيمانية قوية تدفعه طويلا بعد الشهر الكريم.
 

رمضان دفعة للأمام

رابعا: إن رمضان يأتى ثم سرعان ما يمر سريعا تماما مثلما يمر العمر بسرعة فيربح من يربح ويخسر من يخسر، وكما أن عمر الإنسان يمر بمحطات متعددة يمكنه في كل منها تدارك مافاته فى سابقتها من قصور وتقصير فإن رمضان مثل العمر في ذلك به محطات ففى أوله رحمة وفي أوسطه مغفرة وفي أخره عتق من النار فمن فاته أوله تعلق بأوسطه وسارع لئلا يقصر فيه كما قصر في أوله، ومن قصر في أوسطه سارع وصمم على تدارك كل مافاته وذلك بالنشاط الدؤب في التعبد والتهجد والتصدق في الثلث الأخير من رمضان حيث العتق من النار و حيث الليالي العشر الأواخر وحيث ليلة القدر، لكن من فاته رمضان كله فلا يلومن إلا نفسه، ومن مات في إحدى مراحله وهومقصر فلا يلومن إلا نفسه، وهكذا يتجدد رمضان كل عام ليذكرنا أن العمر محطات و مراحل علينا أن نغتنمها قبل أن تفوت وقبل أن نموت.

خامسا: إننا نمارس ذلك كله في رمضان يوما بعد يوم طوال الشهر لنعتاد الممارسة فيصبح ذلك كله سلوكا ثابتا، ثم إذا إستمر هذا السلوك فترة طويلة فإنه يصير سجية راسخة.

وحتى الذين ينشطون فى رمضان فقط ويكسلون بعده فإنهم بتكرار المواظبة فى رمضان فقط على مر السنين فإن سلوكهم العام يتحسن عمن لا ينشطون لا في رمضان ولا في غيره.

نسأله سبحانه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه فى رمضان وطوال العمر إلى أن نلقاه سبحانه.

عبدالمنعم منيب