مشاركتي هي عن يوم اليتيم العربي الذي صادف الجمعة الأولى من شهر أبريل
الموافق 6/4/2007
من هو اليتيم ؟ هل هو الذي فقد
أباه فقط ؟ وماذا عن اللقيط ومجهول النسب ، ألا يدخل هذان في مسمى اليتيم
؟.
لماذا كرر القرآن لفظ اليتيم ومشتقاتها أكثر من عشرين مرة ؟ .
كيف قدم الإسلام اليتامى ومجهولي النسب إلى المجتمع ؟ هل قدمهم على أنهم
ضحايا القدر وبقايا المجتمع ، أم على أنهم فئة من صميم أبنائه ؟ .
رغم كثرة ما يخصصه العالم الغربي على مدى العام من فعاليات ومؤتمرات لرعاية
الكثير من القضايا والمجالات فإننا لا نجد بين كل هذه الفعاليات يوما واحدا
للتذكير برعاية الأيتام تلكم الشريحة شبه المهملة في معظم المجتمعات، تواجه
صعاب الحياة، وشظف العيش بعد فقد العائل الرئيسي لها. وربما كان يتيم الأب
أو الأم أفضل حالا من فاقد الاثنين معا ولأن ديننا الإسلامي الحنيف رعى
وكرم وحث على إحاطة هذه الطبقة بالكثير والكثير من العناية والاحتواء؛ فقد
بدأت تظهر في الآفاق دعوات لتخصيص يوم سنوي للتذكير باليتيم ليأخذ هذا
اليوم مكانته المفقودة وسط هذا الزخم الحاشد من المناسبات والفعاليات.
عن هؤلاء اليتامى ومن هم في مثل ظروفهم ، يتغافل كثير من الناس ، شغلتهم
أموالهم وبنوهم ، في الوقت الذي أمر به القرآن الكريم بإكرامهم وتخفيف
معاناتهم وتعريف الناس بمصيبتهم ، وبالظروف العابسة التي أحاطت بهم وأطفأت
الابتسامة من على هذه الوجوه الصغيرة .
نحن في هذه الكلمة عن اليتيم لا نقصد من فقد أباه فقط ، ولا نقتصر على
المعنى الشائع لدى عامة الناس وحسب ، ولكن نتعداه إلى كل لقيط وكل من فقد
العلم بنسبه ، لأن اليتم لديهما آكد ، والمصيبة عليهما أشد . وهذا ما يؤكده
العرف الاجتماعي واللغوي ، ويدعمه النظر الفقهي الذي يرى إن إلحاق اللقيط
ومجهول النسب باليتيم ، من باب الأولى لأن الحرمان عند كليهما ظاهر لا يخفى
. كما في الفتوى التي أكدت أن مجهولي النسب ، هم في حكم اليتيم لفقدهم
والديهم
وكرر لفظ اليتيم ومشتقاتها أكثر من عشرين مرة في الكتاب العزيز ، كان
المقصود من ذلك بيان أن صفة اليتيم ليس فيها عيب ولا تهمة ، وأن فقد الآباء
والأقرباء ليس سخرية من القدر أوجبت احتقارا من البشر . فاليتيم شخص كامل
في شخصيته ، تام في إنسانيته . وبالتالي فلا مكان للشعور بالدونية أو
الإحساس بالنقص لدى اليتيم .
كان وراء إطلاق هذا الوصف ، إفهام الناس أن اليتيم شخص وحيد منقطع مهمل ...
على ما تؤديه هذه الكلمة من معان في اللغة ، كلها من لوازم اليتم ، وكلها
تنطبق على اليتيم . وكان القصد منها طبعا لفت الانتباه إليه لسد حاجته
وإصلاح شأنه .
إنهم إخواننا في الدين . ومن هنا ينبغي أن تبدأ علاقتنا بهم وسط مجتمع مسلم
أدبه الإسلام ووصفه القرآن بأنه لا يدع اليتيم ولا يقهره ولا يأكل ماله ...
ولما كان من معاني اليتم في اللغة الانفراد والهم والغفلة والضعف والحاجة
... كانت الدعوة إلى مخالطتهم والمبادرة بذلك من أفضل أساليب التطبيع
الاجتماعي والدمج من داخل المؤسسة الاجتماعية ، بدءا بالمصافحة باليد كأبسط
مظهر للمخالطة ، وانتهاء بالتزويج كأقصى مظهر لها ، مرورا بمنافع أخرى
كالمؤاكلة والمشاربة والمساكنة وحسن المعاشرة ... فالكل داخل في مطلق
المخالطة ، والجميع متحد في كسر الغربة النفسية التي قد يشعرون بها هؤلاء
وهم داخل المجتمع . يقول الألوسي في تفسيره على الآية السابقة : [ المقصود
: الحث على المخالطة المشروطة بالإصلاح مطلقا ، أي : إن تخالطوهم في الطعام
والشراب والمسكن والمصاهرة ، تؤدوا اللائق بكم لأنهم إخوانكم ، أي : في
الدين ] .
إلام يحتاج اليتيم بداية ؟
لو طرحت هذا السؤال على كل من عرف ظروف هؤلاء الأيتام وواكب معاناتهم ،
لكان جوابه : إن أول ما يتطلعون إليه هو : المأوى . وهذا عين ما ذكره
القرآن في التفاتة رحيمة بهذه الفئة . قال تعالى مخاطبا قدوة الأيتام : {
ألم يجدك يتيما فآوى ؟ } الضحى- 6. هذا أفضل ما عولجت به ظاهرة اليتم في
شتى المجتمعات : توفير المأوى والملاذ الآمن لكل يتيم ، وبسرعة كبيرة على
مايفيده العطف بالفاء . فكأن الآية خطاب إلى الأمة بالنيابة مؤداه : أيتها
الأمة أمني لكل يتيم مأوى .
في الآية أيضا معنى لطيف لا يخفى على المتأمل وهو : لما امتن الله تعالى
على نبيه بإيوائه ، دل هذا على أن هذه نعمة تستحق الذكر . والذي ينظر في من
آوى محمدا يجد أنه جده عبد المطلب ومن بعده عمه أبوطالب ، مما يُفهِم أن من
تمام نعمة الإيواء أن يوضع اليتيم في كنف أسرة وضمن عائلة ، إما قريبة وهذا
هو الأصل ، يشهد لذلك الآية الكريمة : { يتيما ذا مقربة }. وإلا فبعيدة .
وقد ذكر القرآن الكريم أن الذين
يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون نارا في بطونهم. ووجه المناسبة أن الذي
يأكل مال اليتيم ظلما ، فإنه يعرض اليتيم بذلك لنار الجوع والفقر ، ولفح
الحاجة والمرض ... فما يأكله هو نار ، لأن الحصاد من جنس الزرع .
نتمنى أن نكون قد توصلنا بهذه الكلمات إلى المسح على هذه الرؤوس الصغيرة
التي تشابهت ظروفها كزهور متعانقة في مغرس واحد تنتظر الماء والغذاء . كما
نرجو أن تكون رسالة إلى المجتمع واضحة لأنه المسؤول الأول عن يتاماه . لقد
خلق الله تعالى الأيتام للحياة ، فكيف يحل لنا وأدهم بالإذلال والإهمال ؟ .
وإذا كان سبحانه قد جعل هذه الأغصان الخضراء للثمر ، فكيف نقطعها نحن
ونجعلها للحطب ؟
ختاما نقول : مهما قلنا أو فعلنا
، فلن ندرك أبدا كيف هو شعور من يكتشف في لحظة أنه بدون أب أو أم ؟ . ولن
نعيش أبدا إحساس من أدرك في غفلة من المجتمع ، أنه مجهول الوالدين ؟. ولن
نحصي مطلقا كم من الأطفال كتب عليهم ألا يروا آباءهم ؟ . ولكننا قد ننجح
إذا صحت منا النية واشتدت الإرادة ، في أن نكون ممن يمسحون دموع هؤلاء
الصغار ، ويبلسم جروح الكبار منهم ؟ .
مشاركة من جمانة |