تركَ رجلٌ زوجتهُ وأولادهُ
مِن أجلِ وطنه قاصداً أرض معركة تدور رحاها علىَ أطراف البلاد ,
وبعد إنتهاء الحرب وأثناء طريق العودة أُخبَرَ الرجل أن زوجتهُ مرضت
بالجدري في غيابهِ
فتشوه وجهها كثيراً جرّاء ذلك ..
تلقى الرجل الخبرَ بصمتٍ وحزنٍ عميقينِ شديدينِ ...
وفي اليوم التالي شاهدهُ رفاقهُ مغمض العينين فرثوا لحالهِ وعلموا حينها
أنهُ لم يعد يبصر
رافقوه إلى منزلهِ, وأكمل بعد ذلكَ حياتهُ مع زوجتهُ وأولادهُ بشكلٍ
طبيعي ..
وبعد ما يقاربَ خمسةَ عشرَ سنةٍ توفيت زوجتهُ ...
وحينها تفاجأ كلّ من حولهُ بأنهُ عادَ مبصراً بشكلٍ طبيعي ..
وأدركوا أنهُ أغمضَ عينيهِ طيلة تلكَ الفترة كي لا يجرح مشاعر زوجتِه عند
رؤيتُه لها ....
وفي ختام تلك الرسالة كانت هذه الكلمات :
"ربما تكونُ تلكَ القصة مِنَ النوادر أو حتىَ مِنْ
محض الخَيال , لكنْ ... هل منا من أغمضَ عينهُ قليلاً عنْ عيوبَ الآخرين
وأخطائهم كي لا يجرح مشاعرهمْ ؟؟"
هذه القصة أثرت في كثيرا، أحدهم أخبرني أنها قصة
حقيقية ولكن في زمن الاشخاص الحقيقيين!
مما جعلني أنظر الى زماننا هذا .... وأتعجب!
أتعجب حين أرى زوجا يستهزأ بزوجته أمام أصدقائه
أو أقاربهم لأن هذه هي صورة "الرجولة" عندنا!!! أتعجب حين يشجع أبنائه
على الإستهزاء بها ومجاراته فيما يفعل وهم أبنائها كما هم أبنائه!!!
أتعجب حين أرى زوجة تؤنب زوجها بشدة في أحد محلات
الخضار لأنه لا يختار الأصناف بدقة وأنه لا يتقن أي شيء يقوم به لأن هذه
هي صورة "المرأة المدبرة" عندنا!!
أتعجب حين أراها تقاطع زوجها في حديثه أمام
أصدقائه أو أقاربهم لتؤكد أنه مخطأ في ما يقول وأن رأيها هو الأصح لأن
لها رأي يخالفه! حتى لو كان على حساب موقف زوجها امام الاخرين!
أتعجب من أم تعاقب إبنها بضربه أمام أصدقائه!
وأتعجب من ولد يستهزأ بوالدته ويشيح بوجهه عنها كلما نادت عليه أمام
رفقائه!
أتعجب من شاب يتسلى بفتاة، يخدعها و يوهمها بحبه
ويعطيها الوعود .. ولا يعلم أن لها قلبا يشعر بطعنات سهامه ويتألم بها.
أتعجب من غني يتكبر على فقير ... والله أغناه!
وأتعجب من ذو سلطة يتجبر على من حوله ... والله
أعطاه!!
أتعجب من مدير يهين موظفيه لانه يدفع رواتبهم
.... والله يرزق من يشاء بغير حساب !
وأتعجب من عالم يتباهى بعلمه ليظهر جهل الاخرين
... وفوق كل ذي علم عليم!!
أتعجب من كل من كان بيده إدخال السعادة على
الاخرين فأدخل عليهم الحزن والشقاء!
أتعجب من كل من أعطاه الله المال أو الصحة أو
السلطة فاستخدمهم لإهانة الاخرين!
أتعجب وأقول ... هل من السهل أن نحمل سكينا لنطعن
بها أحدهم ... ولكن من الصعب أن نقطع بها وردة نقدمها له؟؟!!!
هل نرضى أن نواجه بإنفسنا ما نفعله بالاخرين؟!؟
هل لنا قلوب تشعر بهم؟؟ أم فقدنا إنسانيتنا؟؟؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب
الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم)).
ألا يفهم من هذا أن الله إذا كان يحب إدخال
السرور على قلب المسلم فإنه يبغض إدخال الحزن على قلب المسلم.
قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوما: ((أتدرون
من المفلس ؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. فقال صلى
الله عليه وسلم: ((المفلس من أمتي من يأتي يوم
القيامة بصلاة وصدقة ونسك، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا،
وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت
حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه ثم طرح في
النار)).
يعلم الله أني أحاول ما إستطعت أن لا أكون سببا في إدخال
الحزن أو الالم على قلوب من هم حولي ... ولكن إن فعلت دون قصد مني ......
فسامحوني.
أدعو الله ان نكون سببا في ادخال السعادة على قلوب
الاخرين لا سببا لإلامهم.