أحبتي في الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ها نحن قد ودعنا شهر رمضان بأيامه الفاضله ولياليه العامرة، وها قد عدنا من جديد
لأشغالنا وأيامنا المعتاده، فهل يا ترى وجدنا اختلافا بعد رمضان؟؟
إن أول ما أبدأ به هو ما لمسته من دعوات استجيبت في هذا الشهر الفضيل، برغم أنه
لم تمضي سوى أيام قليلة على رحيله، الا أني قد رأيت الفرحة وقد دخلت الى قلوب
كثيرة أعرفها، دعوات عديدة من زوج صالح الى زوجة صالحة والى رزق طيب وغير ذلك
كثير. فهنيئا لهم بما أنعم الله عليهم، وهنيئا لنا بنعمة الدعاء.
كما أني سعدت كثيرا حين وجدت معظم من أعرفهم من شباب وفتيات، ونساء ورجال،
يتسابقون في صيام الستة من شوال، ويواظبون على اعمال الخير وكأن رمضان لم يرحل من
قلوبهم.
وبرغم ما يسعدني هذا كله، الا ان أكثر ما أدخل البسمة الى قلبي رؤيتي لمن هم حولي
يسارعون الى إدخال السرور الى قلوب عائلاتهم واصدقائهم بالكلمة الطيبة والدعاء
الصادق وإعانتهم على قضاء حوائجهم بنية إرضاء الله عز وجل. فما كان اروعهم وهم
يسألون عن أحوالهم ويسارعون في نجدة ملهوفهم، ومداواة مريضهم وحل مشكلاتهم مهما
كلفهم ذلك تعبا في أجسادهم أو بذلا من أموالهم أو شغلا في أوقاتهم، رجاء بسمة
سرور ورضا.
أهنئهم بنفوسهم الطيبة وبوعد الله عزوجل لهم بالخير الكثير لقاء هذا، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
(إن أحب الاعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض : إدخال
السرور على المسلم، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته)
وقال صلى الله عليه وسلم (من فرج عن مسلم كربة من كرب
الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه)
وقال: (من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله
ثوابا دون الجنة)
وقال: (مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ
بِذلك ، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ)
ورغم اننا نعرف جميعا هذا الفضل العظيم في اعانة الاخرين وقضاء حوائجهم الا انه
لا زال بيننا بعض النفوس التي قد تؤذي من هم حولها بفعل او قول غير مدركة لما
سينالها من ذلك.
واني رأيت هنا أن أذكر نوعا واحدا من هذا الاذى وهو تخويف وترويع المسلم. سواء
كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب، فقد رُوِيَ
عن النعمان بن بشير، قال: "كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسير،
فخفق رجل "أي نَعِسَ" على راحتله، فأخذ رجل سهمًا من كِنانته، فانتبه الرجل
ففَزِع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ
لرجل أن يُرَوِّعَ مسلمًا"، ورُوِيَ عن أبي الحسن البَدْري قال: "كنَّا
جلوسًا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام رجل، ونَسِي نعلَيْه، فأخذهما
رجل فوضعهما تحته، فرجع الرجل فقال: نَعْلِي، فقال القوم: ما رأيناها، فقال: هو
ذا، فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف برَوْعَةِ المؤمن؟
فقال: يا رسول الله إنما صنعتُه لاعبًا، فقال صلى الله عليه وسلم:
"فكيف بروعة المؤمن؟ قالها مرتين أو ثلاثًا".
وهذا يدل على أن ترويع المؤمن أمر عظيم، ولهذا بيَّن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ في أحاديث أُخَر أن ترويع المسلم ظلم عظيم، يستَوْجِب إخافة فاعله يوم
القيامة، وعدم تأمينه من أفزاع هذا اليوم الكثيرة، فقد رُوِيَ أن رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ قال: "لا تُرَوِّعُوا المسلم؛ فإن
رَوْعَة المسلم ظلم عظيم"، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ يقول: "مَن أخافَ مؤمنًا كان حقًّا على
الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة".
كما رُوِيَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَن نظر إلى مسلم نظرةً يُخيفه فيها بغير حق أخافَه الله
يوم القيامة"، ورُوِيَ عنه كذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
"مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تَلْعَنُه حتى
ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه"
فكل سبب يحزن المسلم ويؤذيه يجب الابتعاد عنه، وهو محرَّم، فقد روى أبو هريرة قالَ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال من عادى
لي وليا فقد آذنته بالحرب)
واني هنا لأذكر اني شاهدت مرة مشهدا من برنامج "الكميرا الخفية"، حيث أخاف مقدم
البرنامج أحدهم فما كان منه الى أن أطلق النار عليه من شدة خوفه فقتله. وقد أثّر
فيَّ هذا المشهد، الى أن قرأت أحاديث رسول الله عن ترويع المسلم فعلمت أن مثل هذه
البرامج لا تجوز لما فيها من ترويع الاخرين ولو كان مزاحا.
أدعو الله أن يوفقنا الى ما يحبه ويرضاه وأن ييسر لنا ادخال السرور على المسلمين
وأن لا نكون سببا في إدخال الحزن على احد.
أختكم إيمان نيروخ