هذا أمـر نبوي كـريم بِـهِ يُحفظ القلب من الصّدع والجوارح من الإثم فيبقى القلب
سليما خالياً من الحسرات وتسمو النفس وتزكو والأهم من ذلك هو حفظ الفروج إذ أن حفظ
الأعراض من الضروريات والكلّيّات الخمس التي جاءت بها الشريعة . ولذا جاء التأكيد
على هذا المعنى في كتاب الله فقال الله جلّ الله :
( قُل
لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )
وماذا ؟ (
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )
لماذا ؟ (
ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ )
وقال مثل
ذلك في حق المؤمنات للتأكيد عليهن أيضا : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )
ولا سبيل
لحفظ الفروج إلا بإغلاق المنافذ ! والعين رسول القلب ورائده !
بل هي تزني
وزناها الـنّظر ، كما في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام : إن الله كتب على بن
آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ؛ فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ،
والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه
وغض البصر
خصلة من ست خصال من أتى بهن مع إيمان بالله عز وجل ضمِن له النبي صلى الله عليه
وسلم الجنة .
ولذا قال
عليه الصلاة والسلام : اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم
، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا أؤتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضُّوا أبصاركم ،
وكفوا أيديكم . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه.
وغض البصر
من حق الطريق ، لأن الطريق حق للجميع .
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والجلوس على الطرقات . فقالوا : ما لنا بدّ ، إنما
هي مجالسنا نتحدث فيها . قال : فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها . قالوا
: وما حق الطريق ؟ قال : غضّ البصر ، وكف الأذى ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف ،
والنهي عن المنكر . رواه البخاري ومسلم .
وأما السبيل
إلى غض البصر ففي أمور :
الأول
: عدم إتباع النظرة النظرة وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمه هذا
المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة ،
فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
والثاني
: صرف البصر عما إليه نظر قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة ، فأمرني فقال : اصرف بصرك . رواه الإمام أحمد وأبو
داود .
قال الإمام
البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن . قال
: اصرف بصرك عنهن ، يقول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) قال قتادة : عما لا يحل لهم
( خَائِنَةَ
الأَعْيُنِ ) من النظر إلى ما نهى عنه ، وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تحض من
النساء ، لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه ، وإن كانت صغيرة ،
وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يُبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري . انتهى ما علقه
الإمام البخاري رحمه الله .
الثالث
: تذكّر عظيم الجزاء عند الله وأن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه وأن يترك
هذا النظر من أجل النظر إلى وجه ربِّـه الكريم وأن يتذكر أن الله مُطّلع عليه لا
تخفى عليه خافية .
الرابع
: أن يتذكّر الرجل المتزوّج أن الله أغناه بحلاله عن حرامه ، فلا يكن كأخسّ الحيوان
! قال ابن القيم رحمه الله : ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمرّ بالطيبات فلا يلوي
عليها ، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَـمّـه !
الخامس
: - وهو خاص بالمتزوجين أيضا - فِعله عليه الصلاة والسلام في علاج ما يقع في القلب
من أثـر النظر فقد رأى عليه الصلاة والسلام امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة
لها فقضى حاجته ، ثم خرج إلى أصحابه ، فقال : إن المرأة تُقبل في صورة شيطان ،
وتُدبر في صورة شيطان ، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتِ أهله ، فإن ذلك يرد ما في
نفسه . رواه مسلم . قال النووي : قال أهل اللغة : المعس الدّلك ، والمنيئة : الجلد
أول ما يوضع في الدباغ .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم