بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول
الله
،
نعيش اليوم مع اسم من أسماء الله الحسنى: اسم الله الهادي، وهذه الحلقة مكونة
من خمس محاور:
·
المحور الأول: المقدمة.
·
المحور الثاني: معنى اسم الله الهادي.
·
المحور الثالث : أنواع الهداية.
·
المحور الرابع: كيف هداك أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
·
المحور الخامس: مواصفات طريق الهداية.
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
1ـ المقدمة
عبارة عن أربعة أسئلة :
ماذا
تعني كلمة: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ))
(الفاتحة:6)؟
ولماذا سمي الصراط مستقيم؟
السؤال الثاني: ما معنى هاتان الآيتان : ((قَالَ فَمَنْ
رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)) (طـه:49)،
((قَالَ
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))
(طـه:50)؟
ما
معنى هذه الآية التي لابد أنها هزّت فرعون عندما سأل موسى عن ربه فكان جوابه بهذه
الآية؟
السؤال الثالث: هل الهداية تقتصر فقط على الإنسان أم هي أيضاً لجميع الكائنات؟
السؤال الرابع والأخير: كيف ترد على من يقول أن الله لم يهده!
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
2ـ معنى اسم
الله الهادي.
كلمة الهداية في اللغة تعني الدلالة على طريق الخير برفق. أن أدلك على الطريق برفق
هذه هداية، ولذلك العرب يطلقون على الدليل هادي؛ لأنه يدلك على الطريق الصحيح برفق،
يوجد قصة جميلة ستجعلك تفهم معنى الهداية لغوياً، النبي
أثناء هجرته إلى المدينة هرباً من أذى قريش بصحبة سيدنا أبو بكر الصديق، يقابلهم
رجل من قبائل العرب يعرف أبو بكر فيسأله عن سيدنا محمد، فيردّ عليه أبو بكر: هذا
هاد يهديني الطريق. العربي فهم أن النبي دليل يستعين به أبو بكر ليدله على الطريق.
وفي اللغة العربية يهديني الطريق أي يدلني على الطريق، فكلمة هداية لابد أن ترتبط
بكلمة طريق وأن أدلك على الطريق برفق. ((.... وَاللَّهُ
يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)) (الأحزاب:4). الله الهادي
يهدي كل مخلوق إلى طريق الخير، يهدي الكائنات إلى ما يصلح معيشتها في الحياة
الدنيا، يهدي الطيور، والأسماك، والحيوانات، والنملة في جحرها، والنحلة في خليتها،
يهدي كل مخلوق إلى وظيفته في الحياة، الله الهادي للبشر يهديهم إلى طريق الجنة...
الهادي سبحانه وتعالى.
الهدف من هذه الحلقة توجيه ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى للبعيد عن الله، الهادي يدعوك سبحانه وتعالى.
الرسالة الثانية للمتدينين: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)) (محمد:17).
الرسالة الثالثة لكل من يحب أن يعمل عند الهادي فليدعو إلى الله برفق.
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
3ـ أنواع
الهداية: أربعة أنواع
هداية عامة غرسها الله في كل الكائنات، في الفطرة التي فطرها عليها، إلى وظيفتها في
الحياة، إلى ما يصلح معيشتها، كل مخلوق خلقه الله له نصيب من هذه الهداية العامة
((وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)) (الانسان:3).
هداية إيمان: يدلك على طريقه.
هداية توفيق لمزيد من الإيمان.. ((وَيَزِيدُ اللَّهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً... )) (مريم: الآية76)، ((... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)) (الكهف: من الآية13)
هداية إلى الجنة.. ((... وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
))
(لأعراف: الآية43).
فنحن نرد على من يقول إن الله لم يأذن له بالهداية، فنقول لهؤلاء إن في كل واحد منا
هداية إيمان مغروسة في فطرتك يوم مولدك، وهناك هداية هي توفيق من الله، ثم هداية
إلى الجنة.
الهداية
العامة
هداية الكائنات لوظيفتها في الحياة تشعرك بعظمة الله:
((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدَى))
(طـه:50).
لله
أوجد كل مخلوق وغرس فيه الهداية بالفطرة، ودله على الوسيلة التي يعيش بها، فكل
مخلوق معه هداية طبيعية لوظيفته التي خلق من أجلها. خلقه ودله على الطريق وسأضرب لك
مثلاً: كثير من الطيور، يهاجر من جنوب أفريقيا مسيرة 17 ألف كم ويصل إلى بيروت لا
يخطىء درجة واحدة، حتى أن علماء الطيور لم يستطيعوا التوصل إلى سر هذا الأمر
فاعتقدوا أنه ربما أن هذه الطيور تسير بمحاذاة الشمس، فقاموا بمراقبة الطيور فوجدوا
أنها تسير أيضاً في الليل، فقاموا بوضع جهاز لإحدى مجموعات هذه الطيور تقوم بإصدار
إشارات كهربائية لرصد إن كان في المخ بوصلة طبيعية، فالطير لو أخطأ ثلاث درجات في
مسيرته لابد أنه سيخطىء سيره، فمن الذي هدى هذه الطيور؟ فالعلماء إلى اليوم عاجزين
عن تفسير هذه الظاهرة، وأحياناً الإعجاز عن الإدراك إدراك، فتدرك عظمة الله.
فلابد أن موسى هز فرعون عندما قال له: ((..رَبُّنَا
الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))، فالذي فعل هذا مع
الكائنات الضعيفة على بساطتها كي تعيش وهى أدنى منك مرتبة أيها الأنسان، فبالعقل
والمنطق ألن يهديك أنت أكرم مخلوقاته إلى طريق الجنة؟
أحد
العلماء متخصص في علم القنافد يحكي عن مراقبته لقنفد كان يأكل من ثعبان ميت، كان
يراه يتوقف ثم يذهب إلى شجرة يأكل من ورقها ثم يعود ويأكل من هذا الثعبان ويعاود
الكرة. وعندما قطع العالم هذه الشجرة مات القنفد!! من الذي هدى القنفد أن ورقة
الشجرة تعطيه توازن بين لحم الأفعى وبين احتياجات جسمه؟!!
مثال آخر: سمك السلمون، يولد في برك ومستنقعات بجانب مصبات الأنهار في أمريكا
الشمالية، يبدأ السلمون الصغير ينمو والأم تقوم على رعايته لمدة سنة، حتى إذا بلغ
عامه الأول تموت الأم، ويبدأ هذا السمك الصغير بالخروج من الجدول ثم ينطلق بعد ذلك
في رحلة طويلة إلى شواطئ أوروبا حتى سواحل فرنسا في رحلة تصل إلى 3200 كم. يخرج من
نهر إلى نهر، يمر بمرتفعات، يسير باتجاه التيار ويصل إلى نفس المكان الذي ولدت فيه
أمه؛ لأن مورد رزقه هناك، لو ضل درجة واحدة ينتهي، يُقال أنه أقوى مهاجر في الكون،
وأحياناً تكون رحلة العودة في عكس التيار فيبدأ بالقفز ثلاثة أو أربعة أمتار لكي
يقاوم الشلالات، حتى يعود إلى مكانه الذي ولد فيه فيضع بيضه فيربيه لمدة سنة وتتكرر
العملية، كيف يتم هذا؟!!!
نحن
ما زلنا في الهداية العامة ومثال أخر.. النحل واستخراج العسل: ما هي الطريقة التي
يقوم بها النحل لاستخراج العسل؟ هل تعلمون أن هناك نحل اسمه النحل المستكشف؟!
وظيفته اكتشاف أماكن الرحيق، فيقطع مسافات طويلة، ويقوم بإحضار عينات من هذا الرحيق
إلى خليته، ثم إنه يحفظ المسافة جيداً، ودرجة حركة الشمس، ثم يعود إلى الخلية
ليتذوق النحل طعم هذه العينة، ثم يقوم بحركات معينة يُعَرِف بها بقية النحل الجهة
التي جاء منها بهذ الرحيق، فهل هناك تفسير لهذا؟ رَبُّنَا
الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى!!!! ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ))
(الأنعام: الآية91). فالذي هدى الكائنات لمعيشتها ألن يهديك أنت؟ فالهادي مثلما هدى
هؤلاء هداك أنت والوسائل كثيرة.
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
4ـ كيف هداك
أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
فطرتك التي فطرك الله عليها مغروس فيها الهداية إلى الله، ومحبته، ومعرفته، تقول
الآية:
((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا
أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ))
(الأعراف:172).
ماذا تعني هذه الآية؟
حديث النبي
:
(لما
خلق الله آدم أخرج من ظهره كل ذريته إلى يوم القيامة).
كل أرواحنا كانت بين يدي الله يوم خلق آدم قبل أن نخلق جميعاً. فالذي غرس في
النحلة، وفي السمك غرس في فطرتك معرفة ومحبة الله عزَ وجل.
كل مولود يولد على الفطرة،
فكل لحظة تشتاق فيها لله أو تحب أن تعبده جاءت بسبب هذه الذكرى، فهي مغروسة داخلك،
كانت موجودة بروحك، في كل لحظة شوق لربنا، كل دمعة عين، كل تسبيحة، كل تحميدة، كل
مرة تقول لا إله إلا الله، فالآية تثبت لنا، العهد الذي أخذه عليك يوم خلقت، انسكب
فيك مثلما انسكبت الروح داخل الجسد، ومثلما تنسكب الماء في العروق ساعة الإفطار،
فهذا المعنى دخل في عروقك، فالذي هدى هذه الكائنات هداك، وإحساسك بمعرفة الله عزّ
وجل في كل لحظة في حياتك، الحديث:
(يؤتى
بالرجل من أهل النار يوم القيامة فيقال له: لو كان لك مثل الأرض أكنت تفتدي به هذا
اليوم، فيقول نعم، فيقول الله له تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أهون من ذلك يوم
أخذت عليك من ذرية آدم، طلبت منك أن لا تشرك بي فأبيت إلاّ أن تشرك بي).
حديث رواه مسلم.
الله غرس فيك أيضاً أمر ثان، غرس في فطرتك معرفة الصحيح من الخطأ، ومعرفة طريق
الخير من طريق الشر،
((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا))
(الشمس:7/8).
منذ
لحظة ولادتك الخير والشر فيك، ولا بد من تصحيح المفهوم الخاطئ عند البعض أن معنى
ألهمها فجورها عرفها طريق الفجور وهذا خطأ كبير، والصحيح هو أن الإنسان إذا فجر فإن
الله سبحانه يلهمه أن هذا فجور، وإن أقدم على معصية يشعر الإنسان فوراً بأنه أخطأ،
وينقبض قلبه ويخجل من نفسه، فيجب أن تدرك هذا المعنى أن الله لم يدعك، فهو دلك على
الطريق وكما هدى الكائنات الأخرى هداك ثم قال لك:
((...َمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ))
(الكهف: الآية29).
فالله غرس في كل مولود من ذرية آدم ومن قبل أن يخلقهم أنهم عباده، وأشهدهم على
أنفسهم، هذه الذكرى الجميلة ماثلة في قلب وعقل كل بني آدم حتى يموت، ليس هذا فحسب
بل علمنا كيف نفرق بين طريق الخير وطريق الشر.
فالنفس البشرية شديدة الحساسية، وعند حدوث أي خطأ أو معصية تبدأ هذه النفس بإصدار
إشارات، كاحمرار في الوجه، وانقباض في القلب، وعند القيام بأي عبادة أو تقوى يظهر
عليك الارتياح، وتبتسم، فهذه النفس خلقها الله مستعدة للهداية، فالأصل أن النفس
فطرت على الإيمان، ((وَإِذْ
أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا))
فهذه الآية هي مصدر الهداية في حياتك، ولكن إذا كثرت الذنوب والمعاصي والغفلة وضاعت
هذه الفطرة، فالهادي الذي يدلك على الطريق جهز لك ستة وسائل لهدايتك، وأولا الفطرة
التي تكلمنا عنها وأكدتها الآية.
الوسيلة
الثانية للهداية: الكون
الكون مسجد كبير، معرض تعرف فيه الخالق سبحانه وتعالى، انظر حولك ستجد الله سبحانه،
أقرب طريق وأسرع طريق لمعرفة الله يهديك به هو الكون!!! هناك من يعتقد أن الهداية
فقط أن تذهب إلى المسجد، ولكن انظر إلى المسجد الكبير: الكون، فإذا أغلقت المساجد
لبعض الأوقات فإن مسجد الله الكبير لا يغلق!! فكل الكائنات في الكون مهدية
((...وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ))
(الاسراء: الآية44) ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... )) (الحديد: من الآية1)
فهو
هداك بفطرتك، وبالكون من حولك، هل فكرت في الكون للوصول إلى الله؟
((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ))
(يونس:101)
.
الوسيلة
الثالثة: كتاب الله
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...
))
(الاسراء: من الآية9). الجن عندما سمعوا قول الله:
((...إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ))
(الاحقاف: من الآية30)
معرفة الله عن طريق كتابه، سأضرب لك مثلاً: إن قمت بزيارة للجامعة، ستشعر بعظمة هذا
المكان، ولكن لا بد أن تحصل على كتيب يعرفك بنظام الجامعة، ورئيسها، وأساتذتها،
ومناهج الدراسة..... إلخ، فالله سبحانه وتعالى جعل لك طريقين لتصل إليه: العقل
والوحي، العقل بالنظر في الكون فتعرف أن الله عظيم، ولكن كيف ستعرف منهجه؟ فيأتي
الوحي.. فهو غرس في فطرتك الهداية، ثم أعطاك العقل، فهل نرى التكامل بين العقل
والوحي؟ فأنت إن عرفت الله عن طريق الكون فأنت محتاج إلى منهج يكون عن طريق كتاب
يهديك إلى الطريق فيتكامل العقل والوحي..
فكيف تقول بعد كل هذا أن الله لم يهدك؟ فهو يهديك أيضاً عن طريق خلقه، لذلك فإن
الله يوصي المؤمنين أن أحسن ثواب في الدنيا أن تدعو إلى الله، انظر إلى الآية:
((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ...
))
(فصلت: الآية33). فهل هناك بعد كل هذا حجة لمن هو بعيد عن الله بأن الله لم يأذن؟
فهو أذن لك من قبل أن تخلق، مسكوب في فطرتك مثل الماء ساعة الإفطار((
...فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ )) (الروم: الآية30).
الطريق موجود منذ أن خُلقت، ألم يرسل لك القرآن؟ ويرسل لك ناس يسخرهم ويحببهم أن
يدعوك.. فأي ثواب إن اختارك الهادي حتى تدل الناس عليه؟ وتلقاه يوم القيامة بذنوبك
فيشفع لك أنك كنت تدل الناس عليه. كيف سيكون مقامك؟
الوسيلة
الرابعة: الدعوة إلى الله:
ابن
القيم يقول: اعلم أن أعلى مقامات العبودية مقام الدعوة إلى الله؛ لأنه مقام
الأنبياء، لأنهم يدلون على الله فهم أحباب الله فهم أقرب الناس إلى الله، لأنهم
يدلون على الهادي سبحانه وتعالى.
أن
تأخذ بيد أحد إلى الله في رمضان، ويكون شكر منك لله بنعمته عليك برمضان تنال بها
عتق الله لك من النار((...لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ)) (ابراهيم: من الآية7). فالهادي يطلب من عباده أن
يأخذوا بأيدي الناس.
النبي
يقول:
(لئن
يهدي الله بك الله رجلاً خير لك مما طلعت عليك الشمس..)
فالله سبحانه سخر لنا كل هذه الوسائل حتى لا يأتي أحد يوم القيامة يقول أنه لم تصل
له طرق الهداية، حتى فرعون أمر الله سيدنا موسى أن يدعوه برفق.
حديث النبي:
(من
دل على الخير فله مثل أجر فاعله).
فإن اهتدى شخص عن طريقك فكل حسناته في ميزانك يوم القيامة.
هل
رأينا كيف أن الهادي يدل الناس عليه؟
يدل
عليه بالفطرة التي فطرك عليها، بالقرآن، بالكون، بأناس يهدونك. كذلك يدلك عليه
بأفعالك. لو أن أحدنا رجع بذاكرته كيف كانت بداية هدايته، صلاته، أول عمرة قام بها،
أفعاله معك كلها هداية، فالبعيد عن الله لابد أن يخجل، وهو يعرض عليك الطريق مراراً
وتكراراً، لو وقفت بين يديه وطلبت منه سيهديك، ولكن ابدأ بإزاحة الغبار عن قلبك:
((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ)) (المطففين:14).
الذنب على الذنب حتى يعمى القلب:
((وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ... ))
(الروم: الآية53)
حتى
المتدين، لن يتركك الهادي، وستجد آثاراً فورية، وفطرتك ستثبتك على ما أنت عليه،
فالهادي لا يترك أحد، فالذي هدى الكائنات الأخرى لن يتركك إن أصررت
((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً... ))
(محمد:الآية17)
هداية عن طريق
أفعاله معك
من
لم ينظر إلى الكون، ولم يجد من يأخذ بيده، ولم يقرأ القرآن، وغائب عن فطرته، سأعطيه
أمثلة كيف أن الهادي سبحانه وتعالى يأخذه إلى الطريق:
عمر
بن الخطاب وكان أحد الصحابة يقول عنه: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب..
انظر كيف تأتي الهداية بالتدريج.. يذكر سيدنا عمر بن الخطاب قصة هدايته بعد إسلامه
فيقول: كنت شديداً على المسلمين، وكنت أعذب جاريتي المسلمة هي شديدة الصلابة في
الإيمان، وكانت تقول لي: انظر كيف أتعبك الله وثبتني، يقول: فوقع في قلبي شيء. ثم
قال: سمعت أن النبي كان يدعو لي: اللهم أعزّ الإسلام بأحد العمرين، فوقع في قلبي
شيء. ثم قال: جئت ليلة كنت أشرب فيها الخمر حتى الصباح فبحثت عمن يشرب معي فلم
أجدهم.. فقلت أذهب إلى فلان الخمار، فذهبت إليه فلم أجده، فقلت أين أذهب؟ فوقع في
قلبي أن اذهب إلى الحرم. فذهبت فإذا بالنبي واقف عند الحرم يصلي وحده فجئت من خلفه
دون أن يشعر بي وقلت أستمع ماذا يقول، والنبي يقرأ القرآن، فوقع في قلبي القرآن ثم
قلت هذا كاهن، ثم إن النبي لا يراني، فإذا بالآية ((وَلا
بِقَوْلِ كَاهِنٍ... ))
(الحاقة: من الآية42) فيقول عمر: فارتجفت، فقلت: إذاً شاعر فقرأ النبي الآية التي
بعدها: ((...وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ )) (الحاقة: من الآية41) يقول فوقع في قلبي يومها
الإسلام.
الدعوة بشدة تجعل الشيطان يمنع صاحبه من أن يسمع كلام من يريد أن يهديه، ولكن
الدلالة على الخير برفق تأتي بالنتيجة المرجوة.
أحياناً يهديك الهادي سبحانه بإشارة: عبد الله بن مسعود مر بجانب ناس في مجلس خمر،
فسمع صوت أحدهم وهو يغني، فيقول لشخص يسير بجانبه ما أجمل هذا الصوت لو كان
بالقرآن... فعلم هذا المغني بما قاله ابن مسعود وقال : والله هذه إشارة من الله
إليّ، فجرى إلى ابن مسعود وقال له: هل تأذن لي أن أتبعك وأتعلم القرآن!! فصار ممن
يُعلمون الناس القرآن عن ابن مسعود.
الله يريدك أن تدخل الجنة، أحياناً يهديك بكلمة، أحد الكفار ذهب إلى مكة وكان ذلك
قبل هجرة النبي
فحذره أهل قريش من الإقتراب من سيدنا محمد زاعمين أن النبي معاذ الله فيه مس من
الجن، وكان هذا الرجل يعالج من الجن فقرر أن يذهب إلي النبي؛ ليعالجه من المس. فذهب
إلى النبي
وقال: يا ابن أخي قل لي مما تشتكي فإني أعالج من الجن وقد علمت أنه قد أصابك جن
-انظر إلى دعوة النبي برفق- فقال له النبي نعم فاسمع مني: إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد
الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.. فقال الرجل أعد عليّ ما قلت،
فأعادها عليه. فقال أعد عليَّ ما قلت. فأعادها عليه. فقال له الرجل: ما هذا الدين؟
قال: الإسلام. قال: وماذا يأمر؟ قال: بالصلاة وصلة الرحم. قال: فماذا أفعل لأدخله؟
قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أشهد أن لا إلا الله وأشهد أنك
رسول الله.
أحياناً يهديك برؤية، أو بموقف يضايقك.. تتعرض لأذى فتعود إليه، أحياناً يهديك إن
لم يكن بك عناد. عمير بن وهب شديد الكراهية للمسلمين، سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول
عنه: خنزير أحب إليّ من عمير بن وهب. بعد غزوة أحد كان عمير بن وهب يجلس مع صفوان
بن المعطل في مكة محدثاً إياه أنه لولا أنه عليه ديون وله أولاد لأخذ سيفه ووضع فيه
السم وذهب ليقتل النبي
،
فما كان من صفوان إلا أن شجعه على الذهاب وقتل النبي بأن ضمن له أن يقوم على رعاية
أولاده وأن يفي عنه الدين. فما كان منه إلا إن سم سيفه وذهب متجهاً إلى المدينة ،
فيراه سيدنا عمر بن الخطاب فيقول: هذا لم يأت إلا لشر ويمسك به ولكن النبي يقول له:
دعه يا عمر.. تعال يا عمير ماالذي أتى بك؟ فيقول: جئت من أجل أخي فهو مأسور عندكم
في بدر، فيبتسم له النبي ويقول له: أهذا ما أتى بك يا عمير؟ فقال نعم، قال يا عمير
اصدقني القول. قال نعم. قال: لا يا عمير بل جلست أنت وصفوان بن المعطل وحدكما وقلت
لولا دين علي وألاد لي لذهبت لمحمد فقتلته. فقال لك: أولادك أولادي ودينك ديني.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله.
فقال عمر: كان قبل أن يسلم خنزيز أحب إلي منه والآن هو أحب إليّ من بعض أولادي.
الهادي.. الهادي.. الهادي..ألم يؤثر كل هذا فيك؟ اذهبوا إلى الهادي.. الهادي جهز
لكم الطريق.
رسالة للمتدينين، كلما زدت بعبوديتك له سيزيدك هدى، كلما زدت في العبادة سيقربك منه
أكثر، وإن أنت أكثرت من القيام سيجعلك تشعر بحلاوة الإيمان، كلما زدت تقرباً إليه
زادك قرباً أكثر وأكثر.. ((...إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا
بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)) (الكهف: من الآية13)
أكثروا من العبادة في رمضان، قيام، وعبادة، سيزيدكم وأنتم موقنين، هداية توفيق،
والبعيدين عنه تقربوا منه لن يترككم، ويا من تريدون الثواب الكبير خذوا بأيدي الناس
إلى الهادي برفق.
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
5ـ مواصفات طريق الهداية
لماذا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ أنت لو ركبت مع دليل في الصحراء
وأخذك في طريق متعرج، ستشعر بالتعب، لماذا دائماً الله يضيف كلمة المستقيم إلى
الصراط؟ لأن الطريق المستقيم طريق سهل خالي من التعرج، ودون تعقيد، وهو طريق الله
الهادي.. انظر إلى جماله وسهولته، وأنت لو مشيت في طريقه ستتوافق مع الكون كله الذي
يسبح بحمده، ولكن إن مشيت في عكس الاتجاه فأنت ستتصادم مع الكون فستتعب، فهل عرفت
لماذا النبي عندما كان يرى القمر ينظر إليه يبتسم ويقول: ربي وربك الله إله خير
ورشد؟
الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، طريق قريب غير بعيد، سهل ولا بد أن تصل فيه
إلى الهدف. من أجل ذلك النبي في إحدى المرات عندما كان جالساً بين الصحابة قام برسم
لوحة إرشادية على الرمل. يقولون: جلس النبي فخط لنا
طريقاً مستقيماً وخط بجوار الخط المستقيم خطوط متعرجة وقال هذا صراط الله المستقيم
وهذه هي السبل على رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه.
فهل
عرفنا لماذا الفاتحة كلها تدور على ((...الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ))
(الفاتحة: الآية6)؟ لأن بداية الفاتحة تمجيد لله تبارك وتعالى وذلك لتطلب منه
الهداية للصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
ما
هي مواصفات الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ ((صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) (الفاتحة: من الآية 7) فعندما ترددها
في صلاتك تتذكر النبي
،
وأبو بكر، وعمر، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا نوح، والصالحين في حياتك...
حديث جميل جداً يصف النبي به وسائل الهداية:
يقول النبي
:
(ضرب
الله مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط سوران في هذه الأسوار أبواب مفتوحة،
على الأبواب سُتر مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يدعو يقول: أيها الناس هذا هو الصراط
فاسلكوه فإنه مستقيم. وفي الصراط داع كلما همّ رجل أن يدخل في الأبواب يقول له: لا
تفتحه فإنك إن فتحته ولجته. -ثم قال النبي- فالصراط هو طريق الله الإسلام، والداع
الذي يدعو هو كتاب الله يهدي إلى هذا الطريق والأبواب هي محارم الله، والداع الذي
يدعو في الطريق هو الفطرة الواعز الذي جعله الله في ضمير كل مسلم).
إياك أن تفتح إحدى هذه الأبواب فتقع، اثبت على صراط الله، وعلى ما أنت عليه من
الهداية في رمضان، وكلنا أصبحنا شاهدين على أنفسنا كيف عرفنا الله.. فاحذر بعد كل
هذا أن تقع من على الصراط، إياك أن تفتح الستارة فتجد باباً ينزل بك إلى جهنم،
فضميرك هو وازعك يحذرك من الوقوع إن أنت فتحت إحدى هذه الأبواب.
وهذه الأبواب:
باب
الزنا: مكتوب عليه فن العشق والحب
باب
المال الحرام: مكتوب عليه الفهلوة والشطارة
باب
عليه ستارة سوداء مخدرات: مكتوب عليه كن رجل وجرب.
باب
العري وكشف العورات: مكتوب عليه الموضة.
النقطة الأخيرة: الصراط المستقيم في الدنيا، هو نفسه الصراط الذي سنجتازه يوم
القيامة، طريق واحد ممتد من الدنيا إلى يوم القيامة. يقول النبي:
(فمنهم
من يمر على صراط الآخرة كطرفة العين
ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كراكب الجواد، ومنهم من يمر زحفاً، ومنهم من يمر
حبوا، ومنهم من تأخذه خطاطيف الصراط فيتعلق بالصراط).
فالصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف وتحته نار جهنم ومظلم. فإن أردت أن تمر
عليه كطرفة العين فسر على الصراط المستقيم في الدنيا مثل ما أمرك الله الهادي.. ومن
لم يمش على الصراط المستقيم في الدنيا فسيقع من على الصراط في الآخرة ويهوى في نار
جهنم سبعين خريفاً.
>>>>>>>>>>>>>>>>>><<<<<<<<<<<<<
أعدتها: ندى دبليز
Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة