ونصل إلى سورة السجدة، والتي نعرف محورها من اسمها: "السجدة"، فهي سورة الخضوع لله
سبحانه وتعالى، لذلك حملت اسماً هو رمز الخضوع والتسليم: السجود. كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في صلاة الفجر كل يوم جمعة، الذي هو يوم إجازة ويوم
عيد عند المسلمين، ليبدأ هذا اليوم المبارك بتلك البداية الخاشعة والخاضعة لله
تعالى.
لماذا لا تكون منهم؟
فنرى في السورة مدحاً ربانياً للمؤمنين الذين يخضعون لله تعالى، وذلك في الآية التي
فيها سجدة:
[إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا
ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ] (15).
لذلك عندما تقرأ هذه الآية أخي المسلم، سارع إلى السجود لله تعالى حتى تكون مع
هؤلاء الخاضعين وتقتدي بهم... ثم تمر على صورة أخرى: [تَتَجَافَىٰ
جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا
رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ] (16). وحتى عندما يلجأون إلى النوم، ترفضه
أجسامهم. وانظر إلى عبارة "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" ما أروعها... فالنوم والسرير
يمثلان بالنسبة لكثير من الناس الراحة، أما الخاضعون، فهم يرفضون النوم لما يحملونه
من حب للعبادة وخوف من النار وطمعاً بالجنة.
وانظر كيف يكرم الله من خضع له من بني إسرائيل، ويعزه في الدنيا قبل الآخرة:
[وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يُوقِنُونَ] (24).
إياك أن تكون منهم
وأما من لم يخضع في الدنيا بإرادته، فسوف يخضع في الآخرة قهراً بلا أجر، بل بعذاب
أليم:
[وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ
عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً
إِنَّا مُوقِنُونَ] وتأتي آية أخرى لترينا كيف أن الخضوع في الآخرة لن يفيد
أصحابه [قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ إِيَمَـٰنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ] (29).
لكن الله تعالى يمهل أولئك المتكبرين حتى يعودوا إليه، ويرسل لهم بعض الابتلاءات
والعذاب عساهم يخضعون لربهم جل وعلا: [وَلَنُذِيقَنَّهُمْ
مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ]
(21).
وكأن السورة تعرض لك النموذجين وتسألك: مع أي الفريقين أنت؟
[أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ
يَسْتَوُونَ] (18).
الموت حق
ولأنها سورة الخضوع، يأتي فيها ذكر الموت، حتى يفيق الغافلون من غفلتهم ويخضعوا لله:
[قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ
بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ] (11)..
لكل هذه المعاني الرقيقة والخاشعة، كان النبي يقرأ هذه السورة فجر كل جمعة، ليجدد
نية الخشوع والخضوع لله في الدنيا قبل العرض على الله.
فإذا أحسست أخي المسلم بفتور في عبادتك، وأردت أن تقوي همتك وتجدد خشوعك لله تعالى،
إقرأ سورة السجدة واطلب من الله تعالى أن يعينك على ذلك الجزءان (22 – 23).