سورة المؤمنون مكية، نزلت بعد سورة الأنبياء، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الحج،
وعدد آياتها مائة وثمانية عشر آية.
كيف أنت من صفاتهم..؟
تذكر هذه السورة أهم صفات المؤمنين، وتضع أمامها مصير المكذبين. وكأنها تسأل قارئ
القرآن، وتقول له: أين أنت من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين الذين عرضت عليك صفاتهم..؟
كما أنها تلفت نظرك إلى معنى مهم، وهو أن هذه الصفات تجمع ما بين الأخلاق والعبادات،
فترى أول صفة هي صفة عبادة، ثم التي بعدها صفة خلق، وهكذا... فاعرض نفسك على الصفات
التالية، وضع لنفسك علامة أمام كل واحدة:
استقصاء الإيمان
تبدأ السورة بقوله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ]
(1). فمن هم؟ وكيف نكون
منهم؟ ابدأ معنا في الإجابة على محاور الاستقصاء:
- [ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ] (2): كيف تؤدي
صلاتك؟ هل تخشع فيها أم لا؟ كم نقطة تعطي نفسك عن هذا
السؤال؟
- [وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ]
(3): هل تغتاب مسلماً أو تقع في
النميمة؟ هل تمسك لسانك عما لا يفيد من الكلام؟ هل تعرض عن مجالس الغيبة وتمتنع عن
سماعها؟
- [وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ] (5): كيف أنت مع غض البصر؟ والعفة
والبعد عن كل ما يؤدي إلى الزنا؟
- [وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ] (8): كيف حفظك
للأمانة؟ من أبسط الأمانات (الشريط أو الكتاب الذي استعرته من صديقك)، إلى أمانة
الدين وحفظه ونشره بين الناس؟
- [وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ]
(9): هل تحافظ على الصلاة
في أول وقتها؟ وتحافظ على الجماعة؟ كم نقطة تعطي نفسك على أداء الصلاة والحفاظ
عليها؟
إذا نجحت... مبروك
فإذا كانت نسبة تحقق هذه الصفات عالية عندك، فاستبشر بقوله تعالى
[أُوْلَـئِكَ هُمُ
ٱلْوٰرِثُونَ & ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ]. مبروك،
لقد حزت جائزة ربانية عالية، وشهادة ربانية في الآيات (10 - 11) تؤهلك لكي ترث
الأرض في الدنيا، وتنال الفردوس الأعلى في الآخرة.
تاريخ المؤمنين... ومصير المكذبين
ثم تنتقل الآيات إلى ذكر تاريخ المؤمنين على هذه الأرض، فتذكر قصص عديدة لأنبياء
الله تعالى، مع التركيز على وراثة كل جيل من الأنبياء لصفة الإيمان.
[ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ]
(31).. [ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن
بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءاخَرِينَ] (42).
وبين هذه الآيات، يأتي ذكر لمصير المكذبين بآيات الله تعالى، وكأنها تقول للمؤمنين
الذين عرضوا صفاتهم على الاستقصاء الموجود في أول السورة: إياكم والبعد عن طريق
الإيمان، إياكم وترك الصلاة، فتنالوا المصير الذي ناله هؤلاء:
[فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقّ فَجَعَلْنَـٰهُمْ غُثَاء فَبُعْداً
لّلْقَوْمِ
ٱلظَّـٰلِمِينَ] (41).
[كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً
وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ] (44).
أرأيت كيف يكون البعد عن الإيمان سبباً للهلاك...
صفات أرقى وأعلى
وبعد ذلك، تعرض الآيات صفات أخرى للمؤمنين، هي بمثابة مستوى أعلى من الصفات السابقة:
إقرأ معي الآيات 57 - 61:
[إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ] (57): ففي أول السورة
كان الخشوع صفة مطلوبة في الصلاة، أما هنا فالمستوى أعلى: أن تصاحبك خشية الله
تعالى في كل أمور حياتك وعند كل عمل.
[وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ & وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ
لاَ يُشْرِكُونَ] (58-59). فلا يشركون مع الله أحداً في عبادتهم، سواء كان هذا
الشرك شركاً أكبر (كأن يدعو مع الله إلهاً آخر) أو شركاً أصغر وهو الرياء. فإياك أن
تبتغي من عملك شيئاً سوى الأجر والثواب من الله.
[وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ
رَبّهِمْ رٰجِعُونَ] (60).
وهنا نصل إلى قمة في صفات المؤمنين، وهي أن تعبد الله تعالى وتنفذ أوامره ثم تخاف،
مم؟ من عدم قبول العمل. وقد سألت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه
الآية، فقالت: أهو الرجل يسرق ويزني ويخشى الله؟ فقال: لا يا ابنة الصِّدِّيق، إنما
هم الذين يعبدون ربَّهُم، وهم يخشَونَ ألا يتقبَّلَ منهم "
شهادة ربانية
ولكل هذه الصفات، استحق هؤلاء المؤمنون شهادة أخرى من
الله تعالى: [أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ]
(61). فهم لا يتركون فرصة لتحصيل الأجر والثواب إلا وسارعوا إليها وتسابقوا عليها...
بعد العمل... الدعاء
وكان أجمل ختام لسورة المؤمنون، تعليمنا دعاء رائعاً:
[وَقُل رَّبّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ] (118).
ما سر ختام السورة بهذا الدعاء؟ لأن المؤمنين الذين نجحوا في الصفات التي ذكرت في
السورة، قد يخطئون بعدها أو يقصرون في المحافظة على
المستوى الإيماني الذي جاءت به السورة، فكان لا بد من الختام بآية ترشدك إلى طريق
الاستغفار من الذنوب والتقصير الذي قد تقع به، لأن ذلك من طبيعة البشر...