أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث،
فقال لرجاء بن حيوة: ما ترى؟!
فقال: إنَّ الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.
ما أجمل هذا المعنى الذي وقف عنده ابن حيوة- رحمه الله- فذكَّر
به أمير المؤمنين، إنَّ أعطاك الله ما تحب، أن تعطيه ما يحب.. معنى جميل، بل في
غاية الجمال والروعة.. إنْ أدرك العبد أسراره، لم يكن من الغافلين عن ذكر ربه،
المقلين في شكره،
فإنَّ أُعطي ما يحب من المال، أعطى ما يحبه الله من
النفقة، فكانت نفقته من أحب المال إلى نفسه، دون أن
يتبع ذلك بالمن والأذى.
وإنْ أُعطي ما يحب من الولد،
أعطى ما يحبه الله في التربية والتنشئة.
وإنْ أعطي ما يحب من الجاه والوجاهة،
أعطى الله منها ما يحب، وجعلها في الإصلاح والمساعدة وخدمة
الآخرين.. كل ذلك بتواضع وحب ولين.
وإنْ أُعطي ما يحب من المقدرة،
أعطى الله ما يحبه من العفو.
وإنْ أُعطي ما يحب من الغنى،
أعطى الله ما يحبه من البذل.
وإنْ أُعطي ما يحب من الصحة،
أعطى الله ما يحبه من الالتزام بالطاعة والعبادة.
وإنْ أعطي ما يحب من الوقت والفراغ،
أعطى الله ما يحبه من العمل الصالح، فيكون في أمر
بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو في عيادة مريض، أو زيارة أخ في الله، أو في قضاء
حاجة أخ.. أو قراءة كتاب، أو.. إلخ.
وإنْ أُعطي ما يحب من العلم،
أعطى الله ما يحبه من العمل به، من بثه، والقيام
بواجب تعليمه الآخرين.
وإنْ أُعطي ما يحب من النعم،
أعطى الله ما يحب من الشكر.
وإنْ أُعطي ما يحب من النساء،
أعطى الله ما يحب من إكرامهن واحترامهن.
وإنْ أُعطي ما يحب من القوامة،
أعطى الله ما يحب من العدل.
وإنْ أُعطي ما يحب من الخير،
أعطى الله ما يحب من الفضل.
وإنْ أُعطي ما يحب من الإيمان،
أعطى الله ما يحب من الاستقامة.
وإنْ أُعطي ما يحب من المكانة،
أعطى الله ما يحب من التواضع.
وإنْ أُعطي ما يحب من المسئولية والحكم،
أعطى الله ما يحب من الرفق والأمانة.
وإنْ أُعطي ما يحب من الحلم،
أعطى الله ما يحب من كتم الغيظ.
وإنْ أُعطي ما يحب من الإخوان،
أعطى الله ما يحبه من المحافظة عليهم بالحب والوفاء،
والعفو والصفح، وستر السيئات، وتجاوز الثغرات، والبعد عن تصيد الأخطاء وتضخيمها.
وبالجملة إنْ أُعطي ما يحب.. تذكر فيه ما يحب الله.. ويبقى أنْ
يعلم العبد.. أن نعم الله لا تُحصى، وآلاءه لا تعد، فإن حُرِم شيئًا من النعم،
فليتذكر غيرها من النعم.. فإن حرم نعمة الغنى، فليتذكر نعمة الصحة، وإن حرم نعمة
الصحة.. فليتذكر نعمة العقل، وإن حرم نعمة الجاه والمكانة، فليتذكر نعمة الولد..
وهكذا.
فإن نعم الله لا تحصى ولا تعد، ولكن، كثير من الناس مع الإعطاء،
ينسى ويعرض.. فيزداد مع العطاء منعه.. ومع الإحسان إعراضه، ومع الخير شره.. ((
كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) )) (العلق) فإن
سُئل مما أعطاه الله.. قتر وقطب جبينه، وشكا الحاجة، وضيق الوقت، وضعف الإمكانات..
ثم تراه معتذرًا هاربًا.. يقفل هاتفه، ويسد باب بيته.. يبخل بوقته، وماله، وجاهه،
وقوته..
فتذكر- أخي في الله- أنَّ
الله قد أعطاك ما تحب.. فلا تبخل عليه بما يُحب!!.
منقول