رسائل من القلب للقلب - تشرين الثاني 2007

 


أحبتي في الله،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

تعودت أن أرسل لكم هذه الرسالة في اليوم الاول من الشهر ولكنني تأخرت في إرسالها بالرغم من أن لدي العديد من المواضيع التي أود التحدث عنها، لكنني رأيت أن أؤجل هذه المواضيع للتحدث في أمر آخر لمسته كثيرا في الايام الاخيرة.

كمية من الحزن والكآبة على وجوه بعض ممن هم حولي من أقاربي وصديقاتي وربما شعرت أنا ببعض من ذلك ايضا! فلكل منا أحلام وآمال قد نحصل عليها وقد نفشل في تحقيقها ليبدأ شعور بالألم والخيبة وربما يتفاقم الشعور ليصل الى يأس وعجز واحباط!

أحلام وآمال مختلفة... أسباب مختلفة أدت لضياعها.. ولكن شعور الألم والحزن واحد... وكذلك طريق الخروج من هذه المشاعر واحد.

أبدأ ذلك بقصة المرأة التي أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنِّي أُصرَع، وإنِّي أتكشَّف، فادعُ الله لي، قال: "إن شئتِ صبرتِ و لك الجنَّة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إنِّي أتكشَّف، فادع الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها.

فلو نظرنا الى حال هذه المرأة والى الابتلاء الذي عانت منه، ماذا كان من الممكن أن تفعل أي امرأة في مكانها؟؟ إما أن تصبر على ما تمر به ولا تشكو الى أحد، أو أن تدعو الله أن يكشف عنها هذه الابتلاء وتلح في الدعاء، وقد تيأس من حالها وتشكوه الى الجميع، وربما تبدأ بمقارنة نفسها بغيرها ممن لا يعانوا مما تعانيه ... وغير ذلك مما قد يفعله أحدنا في حالة الابتلاء.

والان فلنسأل انفسنا... ماذا نفعل حين نواجه مشكلة او إبتلاء من رب العالمين؟ أنصبر؟ أم ندعو؟؟ ربما نشكو؟ أم ننظر الى غيرنا ونحسدهم على ما عندهم؟
ربما أن معظمنا - وأنا منهم- نفعل كل ذلك! نصبر قليلا و ندعو قليلا و نشكو أحيانا! ونقارن أنفسنا بغيرنا أحيانا اخرى و .. و ...
والخير كل الخير في أن.................... نصبر كثيرا وندعو كثيرا!

فإن صبرنا فقط دون دعاء، فأين العبادة والحاجة الى الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" وإن دعونا فقط دون صبر، فأين الرضا بالقضاء؟؟
أما ما كان من حال هذه المرأة فقد كانت إستثناء حين خيّرها رسول الله بين الصبر وبين أن يدعو لها فاختارت الصبر لتنال الجنة.

أما الاصل فالصبر والدعاء معا، وفي القرآن نرى كيف دعا نبيُّ الله أيُّوب عليه السلام الله عزَّ وجلَّ شاكياً له من الضرِّ الذي أصابه بسبب المرض، وكيف أنَّ الله عزَّ وجلَّ أنعم عليه وشفاه، بل وأعطاه الثواب الجزيل جزاء صبره وشكره ودعائه، فلم يُنقِص الدعاء من أجره شيء. يقول عزَّ وجلّ: (وأيُّوب إذ نادى ربَّه أنِّي مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين).

ونرى أيضا دعاء الانبياء: قال عز وجل: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].
وقال تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء:89].

وجدت نفسي وكثير ممن هم حولي نجاهد أنفسنا للصبر في الازمات ولكننا لا نتوجه بالدعاء الصادق الى الله أن يفرج همومنا وإنما قد نقولها أحيانا فقط: "يا رب"!! وحين ناقشت ذلك مرة مع صديقة لي وجدنا أننا تعودنا الإعتماد على أنفسنا ولم نتعود سؤال الاخرين، فوجدنا صعوبة حتى في سؤال رب العباد!

والبعض قد يدعو الله فعلا ولكن لا يدعو!! فقد كنت قبل يومين قد استمعت الى إحدى محاضرات "محمد هداية" وأعجبني ما قاله في تفسير "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" فبقوله عز وجل "أجيب دعوة الداع" يكون الدعاء قد حدث فالداع قد دعى ولكن إكمال الاية ب "اذا دعان" يدل على أن البعض يدعو ولا يدعو!! فربما اتجه بالدعوة إلى غير القادر على الإجابة، ومثال ذلك قول الحق: "إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم". وقد يدعو دون يقين بالاجابة، أو دون الأخذ بالأسباب.

وهنا تذكرت كيف أني دعوت الله في حاجة في أحد الأيام فأجابها الله عز وجل في يومين اثنين! كان دعاءا من القلب مع احساس بالعجز والحاجة الى الله حين سدت كل الطرق امامي فصليت ركعتين وتوجهت الى الله أشكو له ضعفي وقلة حيلتي وأرجوه أن يستجيب دعائي وأن يعطيني حاجتي من فضله الكريم.. فكان ما أردت وأفضل خلال يومين فقط!!

أذكر ايضا أن صديقة قالت لي مرة أنها دعت دعاء من القلب حين ضاقت عليها الدنيا... دعاء شعرت به فعلا وعلمت أنه سيستجاب بإذن الله لأنه لم يكن كغيره، واستجيب فعلا خلال ايام قليلة!
 

ما أود أن أقوله هنا وأن يصل الى كل من ألمّ به ضيق أو حزن... اذا شعرت بالالم وسدت امامك كل الطرق وشعرت أنك تريد أن تتوجه الى أحد ليخرجك مما أنت فيه، عندها فقط أسرع بالتوجه الى الله، لتشكو له ضعفك وتطلب حاجتك وأنت موقن بالاجابة متوكل على الله فقط وستجد الخير كل الخير بإذن الله.
 
كما أن فهمنا للابتلاء وحكمته يهون علينا كثيرا من الضيق الذي قد نشعر به، فالابتلاء إنما يكون لإمتحان صبر العبد كما يكون لرفع درجاته قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سَبَقَتْ للعبدِ من الله مَنْزِلَة لم يَبْلُغْهَا بِعَمَلِه ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صَبَّرَه حتى يُبَلِّغَه المنْزلة التي سَبَقَتْ له منه".
 
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً أو أراد أن يصافيه صبَّ عليه البلاء صبّا، ويحثَّه عليه حثّا، فإذا دعا قالت الملائكة وجبريل عليه السلام: يا ربّ، عبدك فلانٌ اقضِ حاجته، فيقول الله تعالى: "دعه، إنِّي أحبُّ أن أسمع صوته"، فإذا قال: يا ربّ.. قال الله تعالى: "لبَّيك عبدي وسعديك، وعزَّتي لا تدعوني بشيءٍ إلا استجبت لك، ولا تسألني شيئاً إلا أعطيتك، إمَّا أن أعجِّل لك ما سألت، وإمَّا أن أدَّخر لك عندي أفضل منه، وإمَّا أن أدفع عنك من البلاء أعظم منه" أخرجه ابن مردوَيه بسندٍ ضعيف.
 
وأخيرا فها هي الايام العشر من ذي الحجة تهل علينا وهي أفضل الايام عند الله وفيهن يوم عرفة يُغفر لمن يصومه سنتين، السنة التي قبله والسنة التي تليه. فلنستغل هذه الايام ولنكثر من الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏ خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏"‏.
 
قال يحيى بن معاذ لما سئل : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ قال : ( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه ..يقول : إن أعطيتني قبلتُ ، و إن منعتني رضيتُ ، و إن تركتني عبدتُ ، و إن دعوتني أجبتُ .. )).
أدعو الله أن يفرج همومنا وأن يرزقنا الصبر وأن نصل الى مقام الرضا.

أختكم إيمان نيروخ


التعليقات

سوزان سرحان كتبت في 11/12/2007 :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
عزيزتي،،،

يكفي الإنسان يا إيمان أن يقرأ ما ذكرته في خاطرتك من الحديث الشريف عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، حتى يرق قلبك وجوارحك ويتعظ عقلك ويبكي قلبك وتستشعري رحمة الله بك في الضراء والسراء في الرخاء والشدة وهو الحديث التالي :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً أو أراد أن يصافيه صبَّ عليه البلاء صبّا، ويحثَّه عليه حثّا، فإذا دعا قالت الملائكة وجبريل عليه السلام: يا ربّ، عبدك فلانٌ اقضِ حاجته، فيقول الله تعالى: "دعه، إنِّي أحبُّ أن أسمع صوته"، فإذا قال: يا ربّ.. قال الله تعالى: "لبَّيك عبدي وسعديك، وعزَّتي لا تدعوني بشيءٍ إلا استجبت لك، ولا تسألني شيئاً إلا أعطيتك، إمَّا أن أعجِّل لك ما سألت، وإمَّا أن أدَّخر لك عندي أفضل منه، وإمَّا أن أدفع عنك من البلاء أعظم منه" أخرجه ابن مردوَيه بسندٍ ضعيف.

فشكرا لك والله يجزيك كل خير ....


 

 

(لإضافة تعليق ارجو ارساله الى ايميلي eman@enairoukh.com)