رحلتي الى الأقصى

 


"اللهم حرر الأقصى من يد اليهود الغاصبين المعتدين... وارزقنا صلاة فيه قبل الممات"

يردد السديس هذا الدعاء كل عام في رمضان ويردد قلبي من بعده "اللهم آمين".............. واستجاب الله لدعائي!

رحلة الى فلسطين... الى القدس.. والى الاقصى.... أكرمني بها الله، تمنيتها دوما منذ أن زرتها قبل ثلاثة عشر عاما.. فمن يزورها لابد وان يحن الى العودة اليها .

بدأت الرحلة صباح يوم الخميس، انطلقنا الى معبر الشيخ حسين، حتى أنهينا الإجراءات اللازمة لتبدأ المسيرة في أرض فلسطين متجهين الى طبريا، تلك البحيرة التي سيمر بها قوم يأجوج ومأجوج يوما ما، وما أجملها من بحيرة وما أجمل شطها حيث جمعت منه بعض الصدف، وبعد تناول طعام الغداء والاستراحة توجهنا الى القدس مرورا بأريحا لنصل هذه المدينة العريقة ولتبدو قبة الصخرة من أطرافها شامخة أبية تؤكد إنتماء هذه المدينة لدين الاسلام، وستبقى بإذن الله دوما كذلك.

أثناء توجهنا الى الفندق رأيت منزلا يعلوه علم كبير لإسرائيل ولما سألت تبين أن ذلك المنزل كان لمقدسي باعه لليهود فرفعوا فوقه العلم ليعلنوا حصولهم عليه، أما هو فكان القتل جزاءه.. جزاء من خان بلده وباعه للمغتصب.. قالتها عمتي بحرقة "باع وطنه يا عمتي!! باع وطنه..".

انتظرت أقاربي في الفندق لأتوجه الى منزل عمتي في البلدة القديمة في القدس، كانت رؤيتهم تثير البهجة في قلبي.. فأنا أخيرا في القدس.
إنطلقنا الى باب العمود.. أحد ابواب القدس الإحدى عشر.. وبينما ركن قريبي سيارته بدأنا بالمشي في سوق القدس ومن ثم على الدرجات المؤدية لبيت عمتي الى أن وصلناه.
بيتها ككل البيوت القديمة.. بيت عربي.. غرف متفرقة.. تجمعها ساحة البيت المكشوفة بلا سقف.. بئر قديمة في إحدى جوانب البيت.. أخبرتني عمتي أن هذه البئر تكفي لكل البيوت التي حولها إن قامت الحرب.. فلا زالت القدس تنتظر من يحررها من مغتصبها!

في اليوم التالي انطلقت من منزل عمتي الى الحرم، بضعة درجات تفصل البيت عن طريق السوق المؤدي الى الحرم، ما أن نزلتهم حتى انضممت الى
أفواج الرجال والنساء ملبين نداء صلاة الجمعة، وما أن تجاوزت الباب المؤدي الى ساحة الاقصى حتى انهمرت الدموع من عيوني وأنا أرى قبة الصخرة أمامي.. دموع الشوق الى الاقصى ودموع الحزن على أسره ودموع الفرح برضى ربي أن يسر لي رؤيته.


قبة الصخرة


المسجد الأقصى

صلينا الجمعة ودعونا الله واستسقينا ثم عدت الى بيت عمتي لتكون لي زيارة أخرى للاقصى لأداء صلاة المغرب وبعد الصلاة زرت القبة وقرأت ما تيسر من القران تحت الصخرة ثم زرت الاقصى وشاهدت من نوافذه المنطقة التي يبني فيها اليهود الأنفاق ليهدموا بيت الله!

في اليوم التالي كانت رحلتي الى الخليل، إنطلقت من بيت عمتي في البلدة القديمة الى سوق القدس المغلق لنخرج منه من باب العمود لنصل الى السيارات التي حملتنا الى الخليل.

    
         
باب العمود من داخل السوق                        باب العمود من خارج السور

الى الخليل.. الى بيت عمتي حيث مشتل الازهار الذي أقامته وزوجها يزين الارض التي عاش فيها أبي أشهر الصيف في طفولته، كانوا يعيشون في البلدة القديمة الى أن يحين وقت الصيف فتنتقل كل عائلة الى أرضها لتزرعها وتأكل من ثمرها وترمم "سيرتها" لتقضي فيها أشهر الصيف (السيرِة: المكان الذي يعيشون وينامون فيه وهو عبارة عن غرفة واحدة مبنية من الحجر المصفوف وسطحها من القصب).


مشتل عمتي في الخليل

ثم كانت رحلتي الى البلدة القديمة في الخليل وفيها دار العائلة التي عاش فيها أبي حتى أنهى المرحلة الثانوية، وأثناء سيري في البلدة القديمة واجهت فوجا من المستوطنين يرافقهم الجنود.. صاح أحد الجنود بي طالبا مني أن أوقف التصوير فأوقفته دون أن يهتز لي رمش وأنا أرمقه بكره.. يخافون منا وشيء ما في قلوبنا يجعلنا لا نخافهم!


فوج مستوطنين في البلدة القديمة في الخليل

دار العائلة ايضا بيت عربي، ثلاثة غرف تطل كل منها على ساحة الدار، غرف صغيرة تحمل الكثير من الذكريات لمن عاش فيها، فكان لابد لي بعد زيارتها أن أزور قبرا جدي وجدتي لأقرا الفاتحة على روحيهما.

 
دار جدي في البلدة القديمة في الخليل

وبعد ذلك وحتى اليوم التالي أمضيت وقتي مع العائلة من أبناء وبنات عمومتي الى أن حان وقت صلاة الظهر فتوجهت الى الحرم الابراهيمي حيث مقام سيدنا إبراهيم وإسحق عليهما السلام وسارة زوجة إبراهيم ورفقة زوجة إسحاق. ولم أتمكن من الوصول الى شوربة سيدنا إبراهيم المشهورة أنها تُقدم للجميع منذ ألف عام وهي شوربة قمح وفي أيام رمضان تقدم معها الفاصولياء واللحمة.

 
مدخل الحرم الابراهيمي                                    مقام داخل الحرم

بعد الصلاة رافقت الرحلة السياحية الى بيت لحم لزيارة كنيسة المهد حيث ولد عيسى عليه السلام، وبرغم أن باب الكنيسة قصير لكي يضطر الداخل للركوع الا أني لم أركع وأحنيت قدماي بدلا من ظهري.


مدخل كنيسة المهد

الكنيسة جميلة، أرضها من الفسيفساء وان كانت قد غطت للحفاظ عليها.


أرضية كنيسة المهد

وبعد زيارة بيت لحم توجهنا الى القدس حيث اضطررنا للدخول من أحد "المحاسيم" (نقطة تفتيش اسرائيلية) وكانت مدخلا من خلال الجدار الذي بناه اليهود ليفصلوا مناطق السلطة الفلسطينية عن مناطق اسرائيل، وإن كانت قد فصلت بجدار الا أنها أرض واحدة فلسطينية محتلة، يعرف ذلك الملايين.


الجدار الفاصل على مدخل القدس

وصلنا القدس ويسر لي الله أن أصلي المغرب والعشاء وأن أودع الأقصى قبل يوم السفر والعودة، دقائق قليلة تلك التي قضيتها في ساحات المسجد الاقصى، ولكن الهدوء والسكينة التي احتلت قلبي لا توصف.... تمنيت لو توقف الزمن عند تلك الدقائق!
في اليوم التالي رتبت لي عمتي عربة خشبية لتحمل لي أمتعتي خلال سيري للمرة الاخيرة في البلدة القديمة الى أن أصل السيارة التي نقلتني الى الفندق حيث كان تجمّعنا للانطلاق الى رحلة اليوم الاخير.

في ذلك اليوم كان المطر قد بدأ بالهطول منذ مساء الليلة السابقة ليضيف لمسة جمالية الى أراضي فلسطين، فكانت الرحلة الى عكا أولا .. الى قاهرة نابليون، حيث أقام اليهود تمثالا لنابليون على حصان على مدخل المدينة تخليدا لوقوفه بأبواب المدينة دون أن يدخلها.


مدخل مدينة عكا

 
سور عكا

تجولنا في سوق عكا حيث الاسماك الطازجة الى أن حان وقت صلاة الظهر فأدينا الصلاة في جامع الجزار حيث مقام أحمد باشا الجزار القائد الذي صمد أمام جيوش نابليون.


جامع الجزار في عكا

من عكا انطلقنا الى حيفا والى حديقة البهائيين التي تتمتع بأجمل تنسيق للازهار والتي بنيت من تبرعات البهائيين حيث أنهم لا يقبلون التبرعات من غير البهائيين! ولإن ذلك اليوم كان ممطرا فلم يسمح لنا بدخول الحديقة حيث يسمح للبهائيين فقط وحتى إن لم يكن ماطرا فيسمح لغير البهائيين بالدخول الى جزء منها فقط.


حديقة البهائيين في حيفا

تناولنا الغداء في مطعم مطل على البحر وكانت وجبة سمك شهية، إنطلقنا بعدها الى معبر الشيخ حسين لنصل عمان الساعة العاشرة مساءا بعد رحلة إمتزجت بالعديد من المشاعر، مشاعر الشوق والفرح، مشاعر الحزن والألم ومشاعر الأمل بأن يكتب لنا الله يوما العودة الى هذه الارض المقدسة ليس ضمن رحلة سياحية وإنما كأصحاب حق ووطن......... وحتى ذلك اليوم أدعو الله أن يرزقكم صلاة في المسجد الاقصى.