مشاركة من جهاد نيروخ - القِوامة ديكتاتورية أم رعاية ؟؟

 


بقلم : عاهد ناصرالدين

لم يكن من العجيب ولا الغريب أن ينبري بعضهم طاعناً أو قادحاً في الإسلام وأحكامه ونظمه السياسية والإقتصادية والإجتماعية ويتخذ من الإساءات التي يرتكبها بعض الناس عمداً أو خطأً وعن علم أو جهل ، معوٍّلا على بعض ضعاف النفوس فيقدم لهم كل ما يثير رغباتهم ، فيقع كثير من الناس خاصة النساء فريسة التضليل الذي يتبعه الإنحراف والبعد عن دين الله – عز وجل - لإيجاد الكوارث الإجتماعية في العالم الإسلامي.

وقد اضطرب فهم الناس ولا سيما المسلمين للنظام الإجتماعي في الإسلام اضطراباً عظيماً، وبعُدوا في هذا الفهم عن حقيقة الإسلام ببعدهم عن أفكاره وأحكامه، وكانوا بين مفرِّط كل التفريط، يرى من حق المرأة أن تمارس قيادة البيت كالرجل تماما وأن تخلو بالرجل كما تشاء وأن تخرج كاشفة العورة باللباس الذي تهواه ، وبين مفْرط كل الإفراط لا يرى من حق المرأة أن تتحدث مع زوجها ولا تطلب حقها ولا تزاول التجارة أو الزراعة، وكان من جراء هذا الإفراط والتفريط انهيار في الخلق، وجمود في التفكير، نتج عنهما تصدع الناحية الإجتماعية وقلق الأسرة الإسلامية وغلبة روح التذمر والتأفّف على أعضائها، وكثرة المنازعات والشقاق بين أفرادها .

وفي هذا المقال سأسعى لبيان الحكم الشرعي المتعلق بالقوامة في الحياة الزوجية وإزالة اللبس عن الطعن في حكمها ،تلكم القوامة التي أسندها الحكيم الخبير للرجل دون المرأة ،وبما يمليه الشرع، لا ما يمليه العقل،ذلك أن العقل دوره فهم الشرع ليس غير.

لقد بين الشرع كيف تكون الحياة الزوجية التي يتحقق فيها السكن والإطمئنان الذي أراده الله في قوله :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم (21) .

وإن الله – عزوجل - أمر بالمعاشرة بالمعروف في قوله‏:‏ ‏{‏وعاشروهن بالمعروف‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏}‏ وقال أبو زيد‏:‏ يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم ، وقال ابن عباس‏:‏ إني لأحب أن أتزين للمرأة‏,‏ كما أحب أن تتزين لي لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏}‏، وقال بعض أهل العلم‏:‏ التماثل ها هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يماطل به‏,‏ ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذى ولا منة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعاشروهن بالمعروف‏}‏ وهذا من المعروف‏,‏ ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وبالوالدين إحسانا وبذي القربى‏}‏ إلى قوله ‏{‏والصاحب بالجنب‏}‏ قيل‏:‏ هو كل واحد من الزوجين وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏استوصوا بالنساء خيرا‏,‏ فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله‏)‏ رواه مسلم وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن المرأة خلقت من ضلع أعوج‏,‏ لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج‏)‏ متفق عليه وقال ‏(‏خياركم خياركم لنسائهم‏)‏ رواه ابن ماجه وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وللرجال عليهن درجة‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد‏,‏ لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق‏)‏ رواه أبو داود وقال‏:‏ ‏(‏إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع‏)‏ متفق عليه ‏(‏وقال لامرأة أذات زوج أنت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ فإنه جنتك ونارك وقال‏:‏ لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه‏,‏ ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير إذنه فإنه يرد إليه شطره‏)‏ رواه البخاري‏.‏

وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما‏,‏ أو حضور جنازة أحدهما ،قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة‏:‏ طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها ، وقد روى ابن بطة‏,‏ في ‏"‏ أحكام النساء ‏"‏ عن أنس ‏(‏أن رجلا سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها‏,‏ فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عيادة أبيها فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتقي الله ولا تخالفي زوجك فمات أبوها‏,‏ فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حضور جنازته فقال لها‏:‏ اتقي الله ولا تخالفي زوجك فأوحى الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إني قد غفرت لها بطاعة زوجها‏)‏ ولأن طاعة الزوج واجبة‏,‏ والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها‏,‏ وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف‏,‏ وليس هذا من المعاشرة بالمعروف .

وهنا نسأل ما معنى القوامة ؟ وهل تعني إلغاء شخصية المرأة ولا حق لها أن تبدي رأيها ولا تناقش زوجها أم غير ذلك ؟؟

قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}النساء(34)

قال أبوبكر العربي في كتابه "أحكام القرآن":
"قوله: {قَوَّامُونَ} يقال: قوَّام وقيِّم، وهو فعال وفيعل من قام، المعنى هو أمين عليها، يتولى أمرها، ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة.. ثم قال عندما ذكر القوامة: "فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين، وعليها الحفظ لماله، والإحسان إلى أهله، والالتزام لأمره في الحجة وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات" اهـ.

قال ابن كثير في تفسيره هذه الآية:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}: يعني: أمراء: عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك.. وقال الشعبي في هذه الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} قال: "الصداق الذي أعطاها.

وقال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
"والمراد: أنَّهم يقومون بالذب عنهن، كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً يقومون بما يحتجن إليه من النفقة، والكسوة، والمسكن، وجاء بصيغة المبالغة قوله: {قَوَّامُونَ} ليدل على أصالتهم في هذا الأمر" اهـ.

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره:
"يخبر الله تعالى أنَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهم بذلك، وقوَّامون عليهن أيضاً، بالإنفاق عليهن،والكسوة، والمسكن" اهـ.

من هذا يتبين بشكل جلي أنَّ معنى القوامة يدورعلى قيادة البيت أي رعاية شؤونه وإدارته ، وليس السلطة أو الحكم فيه والديكتاتورية .

ولا تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة ، قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: "ينبغي أن نقول: إنَّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني.. وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله"في ظلال القرآن 2/652

ويسيء بعض الناس فهم آية { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} فهذا الرجل تجده يشتم ويلطم ويضرب زوجته المسكينة، ثم إذا اعترضت عليه يقول:قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وقد يكون لا يحفظ من القرآن إلا القليل، وهذه الآية؛ لأنَّها ـ على زعمه ـ آية واضحة في أنَّ الرجل قوَّام على زوجته فليفعل بها ما شاء ،وهذا فهم سقيم، وتأويل فاسد؛ فإنَّ معنى الآية ليس هكذا، بل المعنى هو ما سبق بيانه .

فالقوامة هي رعاية الرجل زوجته وأولاده ؛ رعاية من شأنها أن تحقق الطمأنينة والسكن والمودة في الدنيا, وتقي الرجل وأهل بيته نار جهنم ،
وفي البخاري باب {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهْىَ مَسْئُولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ ‏"‏‏.‏