بضعة مليمترات - إيمان نيروخ

 


كان ذلك في يوم من أيام رمضان قبل 6 سنوات، كنت قد استيقظت في ذلك اليوم وفكري مشغول بعرض العمل الذي حصلت عليه في اليوم السابق ومقارنته مع عملي الحالي لأتمكن من اتخاذ القرار السليم في قبوله او رفضه.

وبينما كنت أقود السيارة متجهة الى عملي لم أنتبه الا وانا اصطدم قليلا بحافة الرصيف في وسط الشارع فأسرعت بتعديل مقود السيارة وتنبيه نفسي الى ضرورة التركيز على القيادة أكثر. وما أن وصلت الى عملي حتى طلبت مقابلة مديري لمناقشته في موضوع تقييمي المقرر في ذلك اليوم، ولكن المقابلة لم تسر على النحو الذي كنت آمله فقررت قبول عرض العمل الجديد والاستقالة من العمل الحالي. وبرغم ان الفترة التي قضيتها في تلك الشركة كانت بسيطة الا ان فراقي لها ولمن تعرفت عليهم فيها لم يكن هينا.

وفي المساء وبعد أن تناولت طعام الافطار، بدأت أستعد للذهاب لمقابلة المسؤول في عملي الجديد حيث كان من المفروض ان اصل اليهم في الساعة الثامنة والنصف مساءا بعد صلاة التراويح لتوقيع العقد والاتفاق على تفاصيل العمل. وبما أن الوقت كان لازال مبكرا على ذلك فقد ذهبت لملاقاة بعض الصديقات قبل ذلك، وبعد ان امضيت وقتا لطيفا معهم تبرعت بأن أوصل احداهن واختها الى بيتهم في ذهابي الى المقابلة.

كانت صديقتي تجلس بجانبي بينما كنت اقود السيارة وكان مقر العمل الجديد في طريق بيتها، فكانت تلك اللحظة حين وصلت مقر العمل والتفت للحظة الى اليسار قائلة: ها هو مقر العمل الجديد...
ولكني قبل ان أتم الكلمات بدأت أشعر أني لا اسيطر على السيارة وبأن صديقتي تصرخ بي طالبة مني أن انتبه ولكن كل ما فعلته كان أني أغمضت عيناي وقلت: "لا تخافوا" ولست أدري لماذا قلتها بينما انا لا ادرك فعلا ماذا يحدث!

ولا أعتقد أن الامر طال أكثر من بضع ثوان حتى شعرت بضربة قوية ثم شعرت بنفسي معلقة في الهواء بينما كنت مغمضة العينين، وبرغم أنها بضع ثوان الا اني شعرت أن هذا الكابوس لن ينتهي!
فتحت عيني أخيرا لأجد أن السيارة قد انقلبت على جنبها الايمن واني معلقة في الهواء ممسكة فقط بمقود السيارة وما هي الا لحظات حتى سمعنا صراخا من حولنا ورجال يتساءلون إن كنا أحياء أم لا! ولم أكن أعي كل ما يقولون ولكني سمعت صديقتي تصرخ وتضرب سقف السيارة ليعلموا اننا احياء!

بعد ذلك سمعتهم يرددون "الله أكبر" وهم يدفعون السيارة ليقلبونها مرة أخرى، ولم تكن لحظة إصطدام السيارة بالارض سهلة أيضا، الا أن صديقتي وأختها ما أن استقرت السيارة على الارض حتى خرجتا مسرعتين وانطلقتا لا اعلم الى اين ، بينما فتح أحدهم باب السيارة من جهتي وطلب مني أن أخرج منها...
حتى تلك اللحظة لم أكن أعلم ماذا حدث.. وإن كنت قد أصبت أم لا.. ولكني أردت أن أطيعه فحاولت أن أسحب قدماي لأخرج من السيارة.. ولكنهما لم تطاوعاني... سحبتهما بقوة أكبر.. وتكرر الأمر.. وللحظة تساءلت هل أصاب قدماي شيئا؟؟! أم أني لا اسحبهما فعليا .. أم ماذا يحدث؟! حاولت مجددا واذ بي أجد نفسي خارج السيارة.. ولكن بدون حذائي! ولا أدري لماذا!

في تلك اللحظة فقط نظرت الى ملابسي لأجد الدماء تملؤها وبحركة لاشعورية وضعت يدي على انفي وأدركت أنه ينزف.. ولكن إدراكي لكل هذا كان سريعا بينما كان الناس يحركونني من مكان لأخر حتى وجدت نفسي مع صديقتي وأختها في سيارة أجرة، وإحدى السيدات تدفع إلي بهاتفها المحمول طالبة مني أن أتصل بأهلي، فأخبرتها أني لا أعرف ماذا أخبرهم فأصرت .. فاتصلت بهم وما أن سمعت صوت أخي حتى قلت: "حصل معي حادث وأنا بخير ولكن السيارة .." فطمأنني أخي وأخبرني أنه قادم في الحال ...

وانطلقت سيارة الاجرة بنا الى المستشفى وبدأ الاطباء بإجراء العلاج اللازم.. أصيبت صديقتي بجرح في رقبتها كان لابد من خياطته بينما استمر نزيف انفي الى ان توقف بعد حوالي الساعة.. عندها فقط تحركت من سريري لأغسل وجهي واذ بي أرى في المرأة ثقب كبير في أنفي .. لم أتحمل ما رأيت فعدت الى سريري وأنا اتسأل: ماذا يحدث!!

في خلال ذلك الوقت كان أخي ووالدي قد وصلا الى مكان الحادث وتوكل والدي نقل السيارة الى مكان أخر بينما بدأ أخي بالبحث عني.. ولأن سائق السيارة جزاه الله خيرا كان من الرجال الصالحين فقد أيقن أن عائلتي قد تأتي لتبحث عني فعاد الى مكان الحادث وطمأن أخي وأرشده الى مكاني.

وبعدها بدأت عائلتي بالتوافد الى المستشفى والقلق يرعبهم وأظهرت نتيجة الأشعة بأن لدي كسور في الانف وأني أحتاج عملية جراحية فورا .. وكانت العملية في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل.. استيقظت في الصباح لأشعر بالجبص على وجهي والالم في كل جسدي .. وما هي الا ايام حتى غادرت المستشفى لأعود بعد أسبوع لنزع الجبص.. وكانت رحمة ربي .. لا أثر للعملية ولا للثقب في وجهي ... فلله الحمد من قبل و من بعد ...

ولما استطعت ان استجمع قواي وأن أسأل من حولي عرفت أن السيارة قد اصطدمت بالرصيف (الجزيرة) في منتصف الشارع بينما كنت أقود بسرعة واستمرت السيارة بالسير فوق الرصيف الى أن واجهت عمود كهرباء فاصطدمت به وانقلبت.. وفي لحظة لا يمكن أن أنساها .. أخبرني والدي أنه وجد حذائي في السيارة وأنه حاول تحريكه ليكتشف أن عجل السيارة الامامي قد أنكسر وتحرك حتى استقر فوق حذائي .. فلم تكن سوى مليمترات قليلة ليصل قدماي ويحطمهما!!
ولم أتمالك الا أن أحمد الله حمدا كثيرا طيبا أن لطف بي ورحمني وان برغم أن من رأى السيارة إعتقد بوفاة سائقها لا محال .. الا اني حية أرزق ولله الحمد..


ولم تكن تلك الايام الا تجربة تعلمت منها دروس عديدة أهمها روعة أن تستشعر رحمة ربك بك
وانه لا اله الا هو .. معك دائما.
تذكرت كيف أرسل لي اشارة في الصباح بأن أقود بحذر ولم أستمع،
وكيف أخطأت بالذهاب في ذلك الوقت المتأخر لتوقيع العقد،
وكيف أني كنت مسرعة لأمر من أمور الدنيا ليست كسرعتي لأمر من أمور الاخرة!
ولكن الله رحمني ولطف بي فقد كانت بضعة مليمترات بين أن أسير على قدماي أو أن افقدهما الى الابد!
فلله الحمد .. حمدا طيبا مباركا كما ينبغي لجلال وجهه العظيم.

 

30/04/2007    
إيمان نيروخ