الـتـخَـاطـُـر

 


أحياناً تُفكّر بصديقٍ لكَ في المَساء، وتتفاجأ برسالةٍ منه في الصبَاح البَاكِر.

حَصلَ لي ذلك مع صديق فعلاً، خلال أربعِ مرّات مُتتالية، حتّى أنّني في المرّة الرّابعة حينما تذكّرته؛ حادثتُ نفسي أنّه سيتّصل بي غداً .. وهذا الذي حدث.

لم أكُنْ أتعمّد ذِكْره واستجلابَ صورته؛ إنّما كان هو الذي يطرأ على ذهْني فجأة !

هذه الظّاهر تُسمّى بالتخاطُر، أو كما في المُصْطلَح العلمي لها
( تليباثي ـ Telepathy )؛
وهي تجربة يمُرّ بها كلّ إنسان على الأقل مرّة واحِدة في حياته.

بالنسبةِ لرأي العِلْم؛ يقولُ العالم البريطاني جُوزيف سِينل مُفسّراً هذه الظاهرة : " إنها تُشبه عمليات الاتصال اللاسلكيّة المَعْرُوفة، فالعقل البشري مليئ بالإشارات الكهربيّة، التي تَنْتقِل بين المُخ والأعصاب، ويُمكن لهذه الإشارات أن تنتقل دون الحاجة إلى الأسلاك (الأعصاب)، من عقلٍ لآخر ! ".

وهُناك تفسير آخر، لكنّه يدخُل في الـ مَا وراء طبيعيّات .. يقول : " الأمر عبارة عن نوع من الشفافيّة الروحانيّة، التي تُتِيح للرّوحِ الالْتقَاء بالأرواح الأُخرى، واستنْطاقِها عمّا يدُور في أجْسَادِ وعقول أصحابِها !"

وهذا الرأي الأخير رفضه كثير من العُلماء؛ بيْدَ أنّ المؤيّدين يُجادلون بأنّ الصعوبة في تَبْريرِ أو إثباتِ مفهوم التخاطر، مُكافِئ لصعوبةِ جَلْب الأحلام إلى الوَاقِع والحقيقة !

على كُلٍّ؛ تَكثُر حالات التخاطُر في أوقات الأزمات، فمثلاً إذا تعرّض صديق إلى حادث فإنّ ذلك قد يصِل إلى المَعْنِي لَه على شكْلِ رؤية أو صورة ذِهْنيّة أو تعكّرٍ في المزاج.

لذا فإنّ حالات التخاطر العقلي تتضمّن أفكار، ومشاعر، وأحاسيس.
والتخاطُر حقيقة يتعلّق كثيراً بحالةِ الفَرْد العاطفيّة مع الطّرَفِ الآخر، ومَدَى صِدْق كلّ طرف.

ويبدو أنّ النّساء كُنّ أكثر من يسْتلِم التخاطرات ـ إن صحّ التعبير، من قِبل المُرسلين.
وتفسيرُ ذلك أنّهنّ ـ أي النّساء؛ أكثر اتّصالاً بعوطفِهِنّ، ويعْتَمِدْنَ على الحَدَث أكثر من الرّجال.


هناك قصة مشهورة عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ـ عرفتها من فَتْوة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ، أنه كان يَخْطُب الناس يوم الجمعة على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سارية بن زنيم رضي الله تعالى عنه قائداً لأحَدِ السّرايَا في العراق فحصر الرجُل، فأطْلَعَ الله تعالى أمير المؤمنين عمر على ما أصاب صاحِبِه، فخاطبه عمر من المِنْبَر وقال له يا سارية الجبل ـ يعني اصعد الجبل أو لُذْ بالجبل أو ما أشبه ذلك من التقديرات، فسَمِعَهُ سارية فاعْتصَمَ بالجَبَلِ فسَلِم.

وبالطبع مثل هذه الحادِثة تُعدّ من كَرَامَاتِ الأولياء يختلفُ فيها المَقَال؛ إلاّ أنّني أوردتها مُنَاسبةً للحَال.